قد نختلف على مدى نجاح أى ثورة أو أى قرار سياسى، سواء كان فوقياً (من قِبل الدولة) أو تحتياً (من قِبل الحركة الشعبية)، كما نختلف على نجاح أو فشل أى مشروع. لذا، يلجأ المحللون إلى وضع معايير تقييم متفق عليها يبنى على أساسها قواعد حكمهم بنجاح المشروع أو فشله، كنسبة الربح إلى الاستثمار، ومعدل النمو، والاستمرارية، وخلافه. أما بالنسبة إلى مشروعنا الثورى، فأستعير تعريف الدكتور بيتر جون، أستاذ التنظير السياسى بجامعة لندن، لمدلولات فشل الحركة الشعبية. وأهم هذه المدلولات: 1 - قيام حركة شعبية أخرى بنفس مطالب الحركة المنصرمة، المسماة شعبياً «موجة ثانية». 2 - قيام حركة مضادة، المسماة شعبياً «ثورة مضادة». لا أجد ما يدعو مجالاً للشك فى أن حركة 30 يونيو، أياً كان اعتبارنا لها. هى دليل قاطع بفشل ثورة يناير. فإما أنها استكمال لثورة يناير، أو انقلاب عليها، أو شىء ما بين الاثنين. ولا أرى منطقاً فى أن نكابر فى الاعتراف بهذا، سواء كنا ممن يرى فى يناير يوتوبيا ثورية خالصة أو عبث قوى خارجية وداخلية، أو خليطاً ما بين الاثنين. السؤال الأهم هو لماذا فشلت ثورة يناير؟ وهو سؤال لا يرد عليه أبداً فى مقال، بل يحتاج إلى موسوعات من الأبحاث. وسرنى أن أجد الكثير من المحللين مهتمين بالرد عليه أهمهم د. مصطفى حجازى (حجر رشيد) ود. جلال أمين (ماذا حدث للثورة المصرية؟)، بالإضافة إلى ناشطين اهتموا بتحليل جوانب فردية من خلال تجاربهم مع الثورة، أبرزهم د. عمرو حمزاوى (فى «الشروق» «عن هامش الديمقراطية») وبعض الإصدارات الشبابية التى ننتظر منها كتاباً قيماً لنائب رئيس اتحاد طلاب مصر السابق (طاهر المعتز بالله) يشرح فيه أسباب قيام ثم هزيمة الحركة الطلابية من 2010 إلى 2014، وكتاب آخر لأمين عام حزب العدل (عبدالمنعم أمام) يكشف فيه دواخل العمل الشبابى التنظيمى ومشكلاته قبل وبعد وخلال ثورة يناير. إذن فإننا على الطريق الصحيح لمعرفة «ماذا حدث؟». السؤال الذى أهتم به وأرى أنه من السهل الإجابة عنه الآن هو «متى حدث؟». تدعونا جماعة الإخوان المسلمين إلى التسليم بأن «30 يونيو» كانت نهاية الثورة، والرد الجاهز دائماً هو «على أساس أن الإخوان هم الثروة؟» قد يكون صحيحاً أن 30 يونيو يمثل نهاية الثورة، كما رأتها الجماعة -حركة إسقاط نظام وتمكين آخر- لكن كون الإخوان المسلمين -الفصيل الذى أعلن صراحة مقاطعته لمظاهرات «25 يناير»- جاءوا على رأس السلطة فإن هذا كان إعلاناً بفشل «يناير» قبل «يونيو» بعام كامل. لكننى أرى أن لحظة سقوط منظومة «يناير» كان قبل ذلك بكثير، وإلا ما كانت إعادة الانتخابات جاءت بين قوتين «لا ثورتين» باستخدام اللفظ الأنعم، أو معاديتين للثورة، إذا استخدمنا اللفظ الغليظ، أو أى شىء فى المنتصف؛ بل جاءت قبل ذلك ببرلمان جاء وسط أبحر من الدماء فى الشوارع، فجاء من تيارات رجعية لا تعبر عن الثورة من قريب أو بعيد. فشلت ثورة يناير يوم 11 فبراير، حينما فشلت فى الانتقال من الميادين إلى المؤسسات من خلال إفراز قادة جدد تستبدل بالقادة التى قامت لإسقاطهم، وهو ما تتلاشاه «30 يونيو» بطرحها الفريق السيسى قائداً ورمزاً، حتى لا تفشل.