جلس ثلاثتهم كل منهم يدير عصاه، وقد غطى الشيب الرؤوس، وانحنت الظهور، وصارت الرؤية «طشاش» من خلف نظارات ذات عدسات سميكة لا تخطئها العيون. كل منهم يذكر الآخر بأيام الصبا والفتوة والشباب، تتصاعد الضحكات والقفشات على عمر ولى ولن يعود أبدا، أيام البنطلون الشارلستون والجزمة الصاروخ والشعر الطويل. قال أحدهم: «أتذكر حفلات الست والقعدة الحلوة فى البلكونة والراديو والسندوتشات»، وقال الآخر: «يا سيدى على السلطنة». يضحك الثلاثة ضحك الأطفال الأبرياء، ويخشى أحدهم أن يقع طقم الأسنان فيمسك فمه بيده، بينما تسقط دمعة من عين الآخر من فرط الضحك أو من فرط ذكريات حبيسة فى نفسه يعيش فيها طول العمر، بينما الثالث يبتلع الضحكة وينظر فى وجوم. يمر على الثلاثة أحد بائعى اللب والسودانى، فيخرج أحدهم جنيها ويعطيه للبائع قائلا: «بجنيه سودانى يا بنى»، يأخذ كيسا صغيرا توجد به حبيبات قليلة تتناثر على المائدة بجوار أكواب الشاى، ويرمقهم المعلم «حكشة» صاحب القهوة من بعيد بنظرة تدعوهم لعدم إلقاء قشر السودانى على أرض القهوة. يقول أحدهم: «والله الواحد يبيع فول سودانى يمكن يكسب قرشين يساعدوا على المعاش شوية»، يقول الآخر: «والله ده حرام هما عايزين يموتونا وإحنا عايشين»، ويقول الثالث: «يعنى مفيش حل، ماحدش يبص ناحيتنا، يعنى إحنا ولاد الجارية السوداء؟»، يقول أحدهم: «أنا عندى فكرة جنونية»، الآخر: «ما أنا عارفك طول عمرك مجنون»، ويضحك الثلاثة. يعود صاحب الاقتراح: «إلا المرة دى فكرة بجد، ما تيجى...»، وتتقارب رؤوس الثلاثة ويسود بينهم الهمس، فأتسلل بينهم وأعرف ما يدور ثم أكتب ذلك المقال؛ دعوة مجانية بلا أى تكلفة، ولن تكلفك عناء السفر والتصييف فى الإسكندرية أو شرم الشيخ، كل ما عليك هو التأكد من عنوان المصيف الجديد والبحث عنه بجدية بالغة، وأظن الأمر ميسورا تماماً، فالمكان سيكون أشهر مكان فى جمهورية مصر العربية، فهل عرفت مكان المصيف الجديد؟ أقول لك المصيف هو الرصيف المقابل لمنزل السيد رئيس الجمهورية! ولنأتِ بأدوية السكر والضغط والأعصاب والقلب والكلى، ومعنا العصى التى نتوكأ عليها، ولا تنسوا أطقم الأسنان، وكميات كبيرة من الجيلى والألبان والعصائر، فلا نعلم كم من الوقت سنمكث فى المصيف، وربما يكون آخر مصيف فى حياتنا، ونسقط صرعى على رصيف د. مرسى، فقد مضى العمر يا ولدى. نحن لا نريد سوى أبسط حقوقنا، نريد أن نعيش بكرامة دون أن نمد أيدينا لأحد، نحن لسنا متسولين، نريد علاوة مثل الموظفين. افتح ملف المعاشات يا رئيس الجمهورية وانظر كم نحن مظلومون! شكل لجنة متخصصة تضع الحلول، نحن فى رقبتك يوم القيامة، ودعوات العجائز فوق الستين مستجابة عند الله لأنهم خلاص أوشكوا على لقاء الله، وساعتها نرفع جميعاً أيدينا إلى السماء وندعو لك، ونحن أصحاب حق، ولكن صعبان علينا نفسنا، لذلك فأفضل طريقة ترانا بها هى مصيف أمام منزلك العامر، بدلاً من أن نأتى إلى قصر الرئاسة، رأيكم إيه؟ فكرة جنان، مش كده؟