كالعادة كان شهر رمضان مليئا بالأعمال الدرامية، وبالرغم من كثرة الأحداث على الساحة السياسية فإن الدراما شغلت جزءاً كبيراً من وقت المواطنين. وشهدت الساحة بالفعل أعمالا درامية ثرية سواء تاريخية أو دينية أو اجتماعية، ولكن كانت نسبة الأعمال التاريخية والدينية مقارنة بالأعمال الاجتماعية لا تذكر. وللأسف الشديد قدمت معظم الأعمال الدرامية الاجتماعية الصورة النمطية للمرأة المصرية التى لا تعكس لا تتفق مع حقيقة المرأة المصرية فى القرن الواحد والعشرين من امرأة عاملة تشارك زوجها وتسانده، قادرة على اتخاذ القرار، وكانت مشاركتها فعالة فى ثورة يناير. وبالرغم من وجود بعض النماذج الإيجابية التى أظهرت المرأة كصحفية ناجحة أو كأستاذة جامعية، فإن معظم الأعمال كانت محبطة ووضعت المرأة فى إطار سلبى يساعد على تهميشها فى المجتمع. وإذا كنا ننتقد ضعف مشاركة المرأة فى العمل السياسى أو فى المناصب القيادية وتجاهل دورها فى ثورة يناير، فإن الصور المقدمة فى الدراما تساعد على تهميشها بشكل أكبر. وتميزت معظم الأعمال الدرامية فى رمضان 2012 بوضع المرأة فى أطر سلبية مختلفة وكان أبرزها ما يلى: امرأة عاملة ولكنها تعانى من فشل فى حياتها الأسرية، امرأة عاملة لكنها تستغل أنوثتها لاستمرارها فى العمل، أو امرأة متزوجة غير عاملة وليس لديها أى تطلعات أخرى سوى إرضاء زوجها حتى إذا تعددت زيجاته. فكيف يمكن تمكين المرأة اجتماعيا وسياسيا ودعوتها للمزيد من المشاركة فى مختلف جوانب الحياة وفى نفس الوقت تقوم الدراما بتقديم صورة للمرأة التى تتنازل عن مبادئها الأخلاقية فى سبيل الوصول إلى أهدافها أو لأن العمل سيفسد حياتها الأسرية؟ كما أن فكرة تعدد الزوجات وقبول المرأة بهذا الوضع به إسفاف شديد ومسىء لها. إن الأعمال الدرامية وما تحمل من تصورات مبدعيها تسهم بشكل كبير فى ترسيخ صورة إيجابية أو سلبية عند المشاهدين. لذلك يجب أن تعكس هذه الأعمال صورة المرأة الحقيقية وتعمل على إبراز ما تعانى منه المرأة من عوائق ومشاكل، مع مراعاة عدم إظهار الصور المسيئة التى تقلل من شأن المرأة ومن دورها. فالتأثير السلبى يحدث عن طريق تكرار الصورة السائدة عن المرأة التابعة أو الفاشلة فى حياتها العملية سواء فى أذهان الرجال الذين تربوا ثقافيا وإعلاميا على أنهم الأقوى والأقوم، أو فى أذهان النساء اللاتى لا يزلن خاضعات للأيديولوجية المجتمعية السائدة عن المرأة التابعة أو عن المرأة التى يجب أن تقدم تنازلات أخلاقية أو غير القادرة على تحقيق النجاح فى العمل والحياة الأسرية معا، أو فى أذهان الأجيال القادمة الذين يتربون على هذه الصورة السلبية للمرأة. لقد أثبت كثير من الدراسات أن الدراما من أكثر الأشكال اختراقا للجماهير ولديها تأثير فى غرس قيم واتجاهات لدى المجتمع وخصوصا التليفزيون وما يقدمه من أعمال درامية أصبحت تحتل مساحة متميزة من الخريطة الإعلامية وتلقى التفافا واسعا من الجمهور لمتابعتها. لذلك يمكن أن يلعب الإعلام دورا مختلفا عن طريق تثبيت صورة إيجابية للمرأة متساوية فى الحقوق والواجبات مع الرجل، موازية له فى قوة الحضور المجتمعى وفاعلية التأثير السياسى والاقتصادى والثقافى. وتكرار هذه النماذج يعمل تدريجيا على تحول الوعى المجتمعى من صورة المرأة التابعة إلى صورة المرأة الفاعلة والمستقلة. والأمر نفسه فى عقليات النساء فسوف تتغير تدريجيا الصورة السلبية التى ظلت راسخة فى عقولهن بفعل عوامل التثبيب الإعلامى وسيصبحن أكثر استعدادا لتقبل الصورة الجديدة.