طالما شهدت عيادته نقاشات مستفيضة حول «أوجاع مصر»، سواء قبل الثورة وقت أن كان قيادياً فاعلاً فى جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات والجمعية الوطنية للتغيير، أو بعد الثورة حين أصبح رئيساً للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، أكبر الأحزاب المدنية التى تشكلت بعدها واحتلت رابع أكبر كتلة فى البرلمان. هو الدكتور محمد أبوالغار، المولود عام 1940 فى شبين الكوم بمحافظة المنوفية، تدرج فى مجال الطب حتى أصبح أستاذاً مرموقاً فى أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة، ومن أبرز الأطباء العرب، فى رحلة علمية ثرية أنتج خلالها 130 بحثاً عالمياً فى تخصصه. تميزه فى تخصصه لم يمنعه من الانشغال بهموم بمصر، وهو ما يبدو من القصيدة التى اختار أن يعلقها خلف مكتبه بعيادته الشهيرة بالمهندسين، والتى تقول: «على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء.. بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب.. وبحبها وهى مرمية جريحة حرب» إلى آخر قصيدة العبقرى الراحل صلاح جاهين. عام 2003 برز اسم أبوالغار على الساحة السياسية، بعد أن قرر خوض غمار العمل العام بقوة من خلال تأسيسه جماعة «9 مارس للدفاع عن استقلال الجامعة المصرية والحريات الأكاديمية»، فى مواجهة سطوة الأمن ورجال الحزب الوطنى، وبعدها انضم لحركة «كفاية» التى خاضت معارك شرسة ضد نظام مبارك تحت شعار «لا للتمديد.. لا للتوريث». ومع عودة الدكتور محمد البرادعى وبداية الحراك الثورى الذى مثل الإرهاصات الأولى لثورة 25 يناير، انضم أبوالغار إلى البرادعى فى فريق الجمعية الوطنية للتغيير، حيث كان مسئولاً عن لجنة المصريين فى الخارج والعلاقات الخارجية بالجمعية، التى كانت معنية بالتنسيق مع طيور مصر الهاربة من بطش وفقر نظام مبارك، وربطهم بقضية التغيير. لم يهدأ أبوالغار بعد أن كللت جهوده وجهود بقية الحالمين بوطن أجمل فى إسقاط نظام مبارك بعد ثورة 25 يناير التى يصفها دوماً ب«العظيمة»، وقرر خوض غمار العمل السياسى المنظم، بالمشاركة فى تأسيس الحزب المصرى الديمقراطى، الذى جمع نخبة واسعة من الليبراليين واليساريين الذين يجمعهم إيمانهم بقضايا الحريات والعدالة الاجتماعية فى مصر، وأصبح رئيساً للحزب. ومن وقتها وحتى الآن كان أبوالغار فى القلب تقريباً من كل الأزمات والمنعطفات التى مرت بها ثورة يناير، محاولاً، مع زملائه فى الحزب وقيادات الأحزاب المدنية، التأكيد دوماً على شعارات وأهداف الثورة الأولى حول «العيش والحرية والكرامة الإنسانية». ومع تصاعد حدة الاستقطاب والصراع على السلطة بين المجلس العسكرى من جانب وجماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسى من جانب آخر، لعب أبوالغار دوراً قيادياً فى تأسيس ما عرف ب«التيار الثالث» فى محاولة للدفاع عن مطالب الثورة التى رأى أنها تضيع بين الطرفين المتصارعين على السلطة. قلق أبوالغار على الجنين الذى يرعاه منذ شهور عديدة دفعه لأن يعلن مؤخراً «الوطن يمر بفترة حرجة وخطيرة وهناك مخاطر أن تتحول الثورة العظيمة إلى فاشية مرعبة، وليس أمامنا إلا أن نتكاتف جميعاً ونكون يداً واحدة»، وانتظاراً للمولود الجديد الذى طالما حلم به طبيب النساء والتوليد: «مصر وطن للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية».