لم تفاجئنى تسريبات عبدالرحيم على بشأن من سميتهم -تأدباً- «مرتزقة 25 يناير»، ولم تصدمنى.. بالعكس: أثلجت صدرى وأثبتت أننى كنت محقاً فى قرفى واشمئزازى من هذه الطغمة الفاسدة. لم أغالط نفسى، ولم أتخلَّ يوماً عن إحساسى بأن هؤلاء «النشطاء» مشبوهون، يعملون بالأجر. حتى وأنا لا أملك دليلاً قاطعاً على عمالتهم وإجرامهم فى حق بلدهم وفى حق كل من صدّق ادعاءاتهم وشعاراتهم. كنت أرى دائماً أنهم «لاعب أساسى» فى كل مشاهد الفوضى والتخريب التى أعقبت «25 يناير 2011»، وكنت أسمع شائعات كثيرة عن فساد ذممهم السياسية والمادية (والأخلاقية بعد التسريبات) فينتابنى شعور بأنها ليست شائعات.. بل حقائق، أو على الأقل سيأتى يوم ونكتشف جميعاً أنها حقائق، وأظن أن هذا اليوم قد أتى. القائمة طويلة: أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة وأسماء محفوظ وإسراء عبدالفتاح ومصطفى النجار وعبدالرحمن القرضاوى ووائل غنيم وعلاء عبدالفتاح.. وما خفى أبشع. كان أداء هؤلاء «النشطاء» ومن على شاكلتهم مستفزاً وغير مبرر، خاصة منذ اندلاع ثورة 30 يونيو ودخول مصر فى حرب صريحة وطاحنة ضد إرهاب وخيانة الإخوان، وكانت أهدافهم غامضة وأبعد ما تكون عن النخوة والوطنية: شعاراتهم البيزنطية، وهتافهم المعادى للجيش والشرطة، وتحديهم المغرض لهيبة الدولة، ومزايداتهم باسم الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون، ومتاجرتهم بدماء غيرهم.. ثواراً أو إخواناً، وكثرة أسفارهم ورحلاتهم الخارجية، وأخيراً.. تماهيهم مع جماعة الإخوان وسكوتهم عن إرهابها وخياناتها والإصرار على أنها فصيل سياسى وطنى لا ينبغى إقصاؤه. حاولت كثيراً أن أقفز على شكوكى وأن أتجاهلهم رغم قناعتى بأن الشعار الوحيد الذى يليق بمرحلة «ما بعد 30 يونيو»: إما أن تكون مع الدولة أو ضدها، وهذا يعنى بالضبط: إما أن تكون «وطنياً» وإما أن تكون «خائناً»، وليس ثمة خيار ثالث. حاولت، وتدخل زملاء وأصدقاء لإقناعى بأن هؤلاء «النشطاء» شبان شرفاء، يحبون بلدهم «بطريقتهم»، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الطريقة فى «الحب» تعجبنى أو لا تعجبنى!. قيل لى مثلاً إن إسراء عبدالفتاح طيبة إلى حد السذاجة، وإنها «معنا.. وليست علينا»، أى مع خيار «الدولة».. لكننى لم أصدق. وقيل لى إن مصطفى النجار نموذج ل«الثائر الحق»، وإن «إنسانيته» المرهفة تأبى عليه أن يتحمل منظر الدم حتى إذا كان يتدفق من قلب إرهابى خائن.. لكننى لم أصدق. وقيل لى إن أسماء محفوظ مجرد «بنت بلد» بريئة، غلبانة، «انضحك عليها».. لكننى لم أصدق. وقيل لى إن أحمد دومة يمثل جيلاً جديداً من المناضلين، وأن زنزانته ممتدة من عصر مبارك إلى عصر عدلى منصور، مروراً ب«انتقالية طنطاوى وعنان» و«شرعية» الخائن الإرهابى محمد مرسى.. لكننى لم أصدق. بل قيل لى إن أحمد ماهر ورفاقه فى «6 أبريل» وطنيون، وأن كل ما يقال عنهم ترهات لا دليل عليها، وأنهم «جذوة» الثورة المشتعلة.. فأصابنى دوار، وأحسست برغبة فى التقيؤ!، وعشت على أمل أن أرى هؤلاء المجرمين فى المكان والمكانة التى يستحقونها. لست معنياً بالجانب الأخلاقى فى تسريبات عبدالرحيم على؛ لأن الجزاء هنا من جنس العمل، وهؤلاء «النشطاء» لا يستحقون أن ننتفض من أجل احترام خصوصياتهم؛ لأن جرائمهم تصل أحياناً إلى حد «الخيانة»، ولأنهم خدعونا ونصبوا علينا وصنفوا أنفسهم باعتبارهم «صناع الثورة» وحراسها، فكانوا سبباً فى كراهية «25 يناير» ونفور الكثيرين منها: أنا شخصياً كرهت هذا اليوم، وأبيت على نفسى أن أسمى ما جرى فيه «ثورة»، لأن أى ثورة تتعارض مع «فكرة الدولة» وليس لها إنجاز أو هدف سوى تحطيم مؤسسات هذه الدولة.. لا تستحق أن تكون ثورة بأى معنى. لست معنياً بما إذا كان عبدالرحيم على قد حصل على هذه التسريبات بجهده الشخصى أم بدعم وتحريض من أمن الدولة، لأن التسريبات أصبحت «موضة» إعلامية مغرية فى ظل سيادة معيار لا أظن أنه يأبه بمهنية أو أخلاق: «اللى تكسب به.. إلعب به». وتقديرى أن أى إعلامى ممن ساءهم تسريب مهاتفات هؤلاء النشطاء -على الرغم من تفاهة محتواها- لم يكن ليفوّت على نفسه مثل هذه الفرصة. لكننى مندهش من موجة الاستنكار والهجوم على عبدالرحيم على.. فى حين أن أحداً لم يستنكر تسريبات «المصرى اليوم» الخاصة بالفريق السيسى، ولم يتحدث عن «مهنية» أو «أخلاق»!. ولست معنياً -أخيراً- بما إذا كان عبدالرحيم على يعمل لحساب أمن الدولة أم لمجد شخصى، أو بما إذا كانت فعلته تلك مؤشراً على إعادة إنتاج «داخلية حبيب العادلى» أم دليلاً على فساد الإعلام الخاص.. إنما يعنينى فقط أن المجرم يسقط أحياناً لأتفه الأسباب، وأن من الممكن أن يفلت بجرائمه بعض الوقت، لكنه لن يظل طليقاً طول الوقت. يقول معارضو هذه التسريبات إن عبدالرحيم على «أمن دولة»، وأذكرهم بأن إسقاط أمن الدولة بعد «25 يناير» كان آخر مسمار فى نعش الدولة نفسها، وأن الأيام أثبتت أن عودة هذا الجهاز لا تمثل خطراً إلا على من يشعر أن على رأسه «بطحة»، ومن ثم فالرجل يستحق كل تقدير، لأنه أخذ على عاتقه مهمة فضح هؤلاء الخونة، ويقولون أيضاً إن هذه التسريبات قطعت الطريق أمام إعمال القانون فى حق هؤلاء الخونة، لكننى أرى أن القانون -فى مثل هذا الظرف الحرج- أقل كثيراً مما يستحقون، ومن ثم ينبغى فضحهم أولاً.. وليأتِ القانون بعد ذلك.