عطفاً على مقال الأمس بشأن «إزالة آثار الإخوان»: ترك حكم هذه الجماعة الإرهابية مرارات كثيرة فى نفوس المصريين، لكن الأكثر مرارة أن بعض المفردات التى كنا نخجل من دسِّها أو تداولها فى كتاباتنا أو حتى حواراتنا الجانبية.. أصبحت أكثر سهولة فى تداولها من «صباح الخير»، ليس فقط بين بسطاء الناس وعمومهم، بل -أيضاً- بين من يُفترض أنهم «نخبة»، أو قابعون على حافة هذه النخبة، وأهم هذه المفردات كلمة «خيانة». ارتبطت الخيانة بسلوك الإخوان أثناء حكمهم، وتعمقت عقب الإطاحة بهم فى 30 يونيو، ولدى أجهزة التحقيق من الأدلة ما يكفى لجعل وصفهم ب«الخونة» تقنيناً مهذباً جداً لجرائمهم. لكن الأسوأ أن الخيانة أصبحت توصيفاً سهلاً ودقيقاً ومهذباً أيضاً لمواقف الكثير ممن ينتمون إلى طابورهم الخامس. كان الواحد يأنف ويستحى من وصف شخص بأنه «خائن».. أياً كان موقفه. أما وقد أصبحت المواقف متعمدة، مدفوعة الأجر، وفى لحظات فاصلة وحرجة، وكلها أو معظمها يستهدف مصر -وطناً وشعباً ودولة- فإننى لا أرى حرجاً أو غضاضة فى تسمية أصحاب هذه المواقف بأنهم «خونة». قلت ذلك عن المأسوف عليهما -محمد مرسى وجماعته الإرهابية- وأثبتت الوقائع أننى على حق. وقلت ذلك عن الهارب محمد البرادعى، وأثبتت الأيام أننى على حق. وأقوله الآن عن «شوية عيال» خرجوا عن الإجماع وأعلنوا عن انحياز كامل لمعسكر الإرهاب، والقائمة طويلة، لكنهم لا يستحقون شرف ذكرهم. هؤلاء مع الأسف ينسبون أنفسهم إلى «25 يناير» ويرون فيها دجاجتهم التى تبيض لهم ذهباً، وتلك نقطة التقائهم مع جماعة الإخوان: كلاهما -هم والإخوان- يرى فى ثورة 30 يونيو انقلاباً عسكرياً، كلاهما يندب ويولول ويروّج لمخاوف وهلاوس مثل إعادة إنتاج نظام حسنى مبارك، وعودة الدولة البوليسية ممثلة فى جهاز أمن الدولة، والحكم العسكرى، وظهور ما يسمى ب«الفلول»، وكلاهما يرفع شعار «يسقط حكم العسكر»، وكلاهما خلق استقطاباً ثورياً حاداً، وتسبب فى مواجهة مجانية أفضت إلى تلاسن وتراشق بين المؤيدين ل«25 يناير» والمؤيدين ل«30 يونيو». هؤلاء يقولون إن «30 يونيو» كانت انقلاباً، فيرد خصومهم بأن «25 يناير» كانت «مؤامرة»، وبين هؤلاء وأولئك ضاع حق الملايين التى نزلت فى المرتين، وبدلاً من أن تنتظر هذه الملايين حصاداً يليق بطموحها وبتضحياتها وبالأمل الذى ظل يراودها طوال أكثر من عامين.. أصبحت أكثر ارتباكاً وقلقاً وإحباطاً مما كان عليه الحال قبل «25 يناير». هؤلاء الخونة الصغار، ممن يعملون وفقاً لأجندة جماعتهم الإرهابية، هم «عار» 25 يناير، وهم الذين تسببوا فى إثارة الشبهات حول هذا اليوم، وكنت أتصور أنهم اكتفوا بحصتهم من الغنيمة، وأن عليهم أن يختفوا من الحياة السياسية إلى الأبد، لكنهم أطلوا علينا من جديد: الخيانة فى أفدح وأوضح تجلياتها. كلما قرأت مقالاً أو تويتة أو تعليقاً لأحد هؤلاء الناشطين ينتابنى شعور بالقرف والتقزز، وأبحث عن كلمة تليق بهم فلا أجد سوى «خونة». ربما كانوا «دمامل» صغيرة محتقنة بصديد وقيح وعفن فى جسم عفى، لكنهم ليسوا أقل من «خونة». وفضلاً عن إساءتهم لما جرى فى 25 يناير فإنهم أساءوا إلى كلمة «ناشط» وأساءوا إلى كلمة «ثورى»، وأساءوا إلى «النخبة» التى يحسبون أنفسهم عليها. وبقدر خوفهم من عودة الدولة البوليسية، أشعر بأنهم يعمقون ضرورة وجود «أمن الدولة» فى المرحلة القادمة. [ تنويه: قبل انتهائى من كتابة هذا المقال.. جاءنى خبر القبض على أحد رؤوس الإرهاب محمد البلتاجى. وكنت قد نذرت مائة جنيه لمن يأتى ب«خبره». وهكذا تتساقط أوراق الإرهاب المهمة تباعاً].