سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالصور| "الوطن" في مخبأ "العذراء" ومحمى "المسيح" بمسطرد ليلة عيد الميلاد قبطية من داخل المغارة المقدسة: العمر واحد والرب واحد.. وزيارة المغارة في مقام رحلة إلى القدس
على أطراف ترعة الإسماعيلية بمسطرد، وداخل أحد الأزقة، تجلس العجائز ذوات الخمار، والرجال ذوو اللحى، على أبواب بيوتهم، ومع الأذان ينهضون مسرعين إلى الصلاة بالجامع الكبير بالقرية الريفية الصغيرة، ومن خلفهم يتوافد على أبواب كنيسة العذراء مريم الأقباط لزيارة المغارة المقدسة، والتعلق ببركات رشفة مياه من بئرها، "محمى المسيح" كما يسمونه.. وعلى بعد خطوات من بوابتها، تظهر صلبانها بالكاد من بين الملابس المعلقة على الشرفات المتقاربة داخل الشارع الضيق. قرب البوابة الحديدية للكنيسة، التي تحوي بقلبها المغارة المقدسة التي احتوت السيد المسيح والعذراء "مريم" بداخلها لأيام واغتسل المسيح من بئرها المقدسة، يقف ثابت أحمد الشاب الثلاثيني، المخبر المسؤول عن تأمين الكنيسة، يتحدث ل"عبد الله"، العسكري الذي الكنيسة منذ أكثر من عشرين عاما، مقطب الجبين، يعلو صوته: "بتوع المفرقعات وصلوا ولا لسه"، فيجيبه "ثابت" على الفور"على وصول ياريس وربنا يسترها ويعدي اليوم على خير"، ويقول عبد الله ل"الوطن"، وكأنه يطمئن نفسه قبل أن يعلى من همم من حوله أهالي وعساكر "الدنيا أمان، والناس هنا بتحب بعضها، والمسلمين مع المسحيين مفيش مشاكل ولو حد يجرب يضر الكنيسة الناس هنا هي اللي هتتصدى له". ثالثهما خالد، الأكثر حرصا، يبدو الخوف على ملامح وجهه، ويقول بصوت مرتجف: "أي حد غريب يتفتش كويس، وركزوا شوية بقا عايزين الليلة ديه تعدي على خير"، ومن خلفه يتقدم أحدهم يرفض الإفصاح عن هويته، فهو أحد الضباط السبعة المكلفين بتأمين الكنيسة، جاء من القاهرة على التو، ضمن قوة الإمداد لدعم القوة المسؤولة عن الأمن هنا في ظل ما أسموه بحالة الطوارئ. وعلى مشارف الكنيسة التي شُرِّفَتْ بزيارة العائلة المقدسة عندما جاءت إلى أرض مصر في أعقاب قرار الملك "هيرودس" بقتل جميع أطفال بيت لحم، صورة من الصدف شكلت على فن "الفسيفساء"، للسيدة العذراء، ورضيعها المسيح عيسى في المهد. وأمام صحن الكنيسة الذي يضم في داخله الهياكل الثلاثة والمغارة والبئر، يقف "مسيح" أحد خدام الكنيسة وحامل مفاتيح المغارة والبئر، بجلبابه الرث، ووجهه العبوس المتوجس، يفتش حقائب الوافدين في ليلة الميلاد، "محدش عارف يمكن القلم ده ينفجر ويعملنا مصيبة، والدنيا مش أمان، وربنا الحامي"، يلتفت حوله يفتش في الوجوه، كما يفتش الحقائب، يبحث عن غريب، ويقول ل"الوطن"، "الناس مش خايفه تيجي ومسلما أمرها لله عشان العيد وتزور المغارة المقدسة لازم بقا نحافظ على الأرواح ديه ونأمنها". يلعو صوت رجل ضخم البنية بضحكات، ينادي على "مسيح"، "تعالي يلا عشان تاخد العدية زي كل سنة"، يتجاهله.. ويرد عليه بعد حين بإيماء إلى الزوار، ونظرات عيون محذره، مشغوفا من ببعض الأقباط الراغبين في زيارة المغارة، وتناول مياه البئر يكرر الرجل ضخم البنية ذو الشعر الأبيض نداءه ل"مسيح"، ويقهقه بالضحكات، ف"طه الحلواني"، صديق الكنيسة المسلم، تعود على توزيع الأموال على العاملين بالكنيسة كل عام لتهنئتهم بالعيد. على يسار "مسيح" الذي يقف بجوار مسبح الكنيسة، تقع سلالم المغارة المنحدرة إلى أسفل، بضعة درجات، وتدير "آمال" الزائرة للمكان ظهرها للتمكن من الوصول إلى أسفل المغارة، وفوق رأسها المطأطأة صورة صغيرة للسيدة العذراء، لتدخل مكان استراحت فيها واحتمت بها العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر، وبداخلها صورة كبرى للسيدة العذراء شكلت بفن الفسيفساء، وتحتها بقايا شموع احترقت بعضد أن أشعلها أصحابها تضرعا وأملا في الشفاء من المرض أو الاستجابة لطالبتهم الدنياوية والروحية. وإلى جوارها صلبان معلقة بكافة الأحجام حولها، وورود منها ما جف وذبل وآخر بلاستيكي مازل يحافظ على هيئته الأولى، وحولها أوراق بيضاء مختلطة بزرقة الحبر أحيانا وسواده أحيانا، وبعض صور لأطفال مجهولين معلقة بجانب الصلبان، وتدل آثار المنطقة على أن المغارة كانت تقع في معبد أو أطلا معبد بني أيام رمسيس الثاني، حسب رواية خادمها. بردائها الأحمر، تقف أمام صورة السيدة مريم، تشعل الشموع، وتشهر الصليب على صدرها، في كامل زينتها السيدة الأربعينية، ولو كانت في ليلة عرسها، "أمال عادلي" ربة المنزل فيها في حضرة السيدة مريم العذراء "بنيجي ناخد البركة، التعبان الي عنده مشكله"، فراحة نفسية تنتاب "آمال" بمجرد دخولها المغارة المقدسة، أو المرور من الطريق المجاور للكنيسة فتشهر الصليب، لتشعر بدفيء إيماني كبير يسكن قلبها. "اللي زار كنيسة العذراء بمسطرد، كأنه زار القدس بظبط"، كلمات تقولها "آمال" والبشاشة ترتسم على وجوهها، فالمغارة التي احتوت السيد المسيح، واستمح ببئرها وعاشها بداخلها لا تقل حسب اعتقادها عن مكان ميلاده ببيت لحم، أو القدس. وتشير إلى الأوراق المنتشرة على حائط المغارة "اللي عنده مشكلة بيكتبها في ورقة ويسبها للعذراء عشان تحلها وكل واحد حسب إيمانه وديه صورة أطفال منهم المخطوف والمريض، وتباركا بمكان العذراء توضع صورتها للتبرك والمساعدة في أزمتها". المخاوف من وجود تفجيرات كما أشيع في ليلة رأس السنة لم يرهب آمال، لكنها أصرت على الحضور منذ الصباح للتواجد بالكنيسة "الي بيحصل بيزيدنا إيمان، ومش هنسيب الكنيسة لوحدها في يوم زي ده عشان خايفيين"، كما لم تشغل خلف أيوب، سائق تاكسي، الواقف بالأعلى عن يمينها بجوار صنابير بئر المسيح، فأصر على التوجه للبئر، والأماكن المقدسة في ظل الأحداث والتخوفات التي تنتاب الأقباط، ولن ينسى ليلة تفجير كنيسة القدسين قبل عامين، حين كانت الكنيسة ممتلئة عن آخرها لحمايته "العمر واحد والرب واحد سواء جوه كنيسة أو شارع أو بيته، وأن طال عمرك أو قل هتموت". يقف "خلف أيوب" يرتشف المياه من صنابير البئر المنتشر على جانبيه، يروي عطشه، مؤمنا ببركتها حسب اعتقاده، فالبئر لا ينضب وخيره لا يقل، من استحم من مياهه "عيسى بن مريم" خلال رحلته المقدس في مصر، ويقول: "مش باجي الكنيسة بشكل منتظم، في الأعياد والمواسم، ولكن البير لازم نزورها باستمرار"، ويشير إلى توافد العديد من الأقباط والمسلمين، من محافظات وخارجها للتبرك بمياه البئر العتيق، والتوكل على الله. الصليب يتوسط صدره، في إجلال، يقف مرتديا جلبابه الأسود المميز، ولحيته الكثة ،"شاربين ميلاد" كاهن كنيسة العذراء مريم، يستقبل الوافدين، يقبلون يديه، ويدلفون إلى داخل المغارة ومنها إلى شرب المياه من محمى السيد المسيح "الأقباط يقبلون في الأعياد على مغارة العائلة المقدسة في ذكرى الميلاد، ليخذون البركة ومن هنا جاءت أهمية الكنيسة التي بنيت على المكان الذي كان مخبأ يؤوي العائلة المقدسة أثناء وجودها في أرض مصر". لا يستطيع الأب شاربين مسؤول ال 500 أسرة القبطبة الملتفين حول الكنيسة بالقرية، أن يحدد مدة تواجد السيدة العذراء مريم والسيد المسيح داخل المغارة "التوافد من الأقباط وغير الأقباط والسياح بيجوا، منه مزار قبطي وأيضا علاجي فيماه البئر المقدسة تشفى بعض المرضي، وكل على حسب إيمانه"، لا يقلق "شاربين" من قلة الأعداد فهو يثق في أبناءه من الأسر المسيحين لن يتخلوا عنها مهما كانت المخاطر. لن يقيم الأب "شاربين" احتفال بكنيسة كعادته كل عام للاحتفال بالعام الجديد، فاختفاء اثنين من أبناء الكنيسة منذ أكثر من 82 يوما لأجل دفع فدية كبيرة، يمنعهم من الاحتفال احتراما لمشاعر أبويهما، مكتفين بالصلاة طوال الليل والدعاء لعودتهما "مفيش خوف نختم السنة إلغاء الاحتفال مش مرتبط بموضوع التفجيرات، ولكن احترام للأبويين المكلومين"، لافتا إلى أن أقدام السياح لم تعد تتوافد على الكنيسة باستمرار بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد. يجلس "طه الحلواني" على أحد المقاعد الخشبية بجوار صندوق الندور والتبرعات، يحتسي كوبا من الشاي، فهو على عادته جالسا وسط الكنيسة الذي بنى جميع البنايات الملحقة بها ومنارتها وصلبانها الكبرى، يعرف كل ركنه بها، لكونه المقاول الذي تكفل ببنائها، يعرفها عن ظهر قلب، يشير للحائط الذي يتدخل فيها مبنى الكنيسة مع حائط الجامع، ولو أنه يمثل التلاحم بين مسلمي مسطرد ومسيحيها "مفيش بينا إخوان ولا غيرهم، المسلمين والمسحيين هنا واحد". "الحلواني"، مسلم، ولد بمسطرد، واعتاد التواجد داخل الكنيسة منذ طفولته، فذكريات طفولته حول أحد أشجار الكنيسة برفقة أصدقائه الأقباط منهم والمسلمين مازالت عالقة في خلده "مشاكل هنا في المنطقة بين المسيحين والمسلمين متلقيش، مفيش الكلام ده ومش هتحصل"، تواجده الدائم داخل الكنيسة صنعه جزء من مشهدها الدائم، ويكاد البعض من المترددين أن يظنه قبطيا "بقعد جوه الكنيسة بالثماني والتسع ساعات". حين انفجر كنيسة القديسين قبل 3 أعوام، خرج "الحلواني" من منزله المجاور الكنيسة، يقف إلى جوار أصدقائه لحمايتها "ده مكاني متربي في قلبها، زيه زي بيتي، وأنا اللي بنيت كل مباني الملحقة بالكنيسة سواء مبنى ذوي الاحتياجات الخاصة أو مبنى المكتبة أو المسرح أو المناورة، كل المباني بما فيها سور الكنيسة الملاصق للجامع بينته". على مقربه من الحلواني، يقف بجلبابه الأبيض الملطخ بالدماء، "إبراهيم" جزار الكنيسة وعلي يمينه زوجته "خلود" مردتيه النقاب، فهما جاء للممارسة مهمتهم السنوية في ذبح العجول وتجهيز اللحوم للمعيدين "من سنة 95 من وأنا عندي 25 سنة، باجي الكنيسة مرتين في السنة، في عيد الميلاد عجلين وفي عيد شم النسيم زيهم". يشير إلى أحد الأكواخ المتواجدة داخل الكنيسة، فهو المكان الذي اعتاد على مرافقة "ناصف" خادم الكنيسة وصديقه، يشربان الشاي ويستمتعان بوقتهما، ومن آن إلى آخر يقومان بمرافقة الأب عبد المسيح داخل المغارة المقدسة، ويستمتعان بماء البير الطهور. حين وقعت فتنة الخصوص، خرج "إبراهيم" من عمله إلى الكنيسة مباشرة لحمايتها ممن وصفهم بالمتهورين، الذي قد يفكروا في مهاجمة الكنيسة "الحامي ربنا طبعا بس لازم نقف مع أخوتنا في ديقتهم ديه عشرة عمر". لم يرافق ناصف خادم الكنيسة صديقه إبراهيم في ليلة الميلاد، فزوجته في حالة وضع، وطالب "إبراهيم" بالاتجاه إلى الكنيسة للقيام بمهمته السنوية، وهو ما قام به على الفور "قالي معلش اعتبرني موجود وقوم بالواجب، ومكتدبتش خبر".