أخرج الشيخان عن النعمان بن بشير (رضى الله عنهما) عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِى أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقاً، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً». نحن فى هذه الحياة ركاب سفينة، منا المسىء ومنا المحسن، منا الصالح ومنا الفاسد، منا الجيد ومنا الردىء، لكنّ الكل راكب فى هذه السفينة، لكن بعض الركاب نزل فى أسفل السفينة ونزل بعضهم فى طابقها العلوى، لا على سبيل التميز والتسلط والعنصرية والتفاخر والتجبر، بل لأنه فهم دوره فى الحياة، وكان أكثر قدرة على التمييز بسبب العلم الذى حصّله والإيمان الذى تحقق به، ومن ثم صار من واجبه أن يضىء بمصباح الهداية طريق النجاة للذين قعدت همتهم عن تحصيل الفضائل، وأن يمنعوهم من العبث الذى يؤدى إلى هلاكهم وهلاك الجميع معهم. إن المسلم الحقيقى هو ذلك الذى يتفاعل مع الحياة تفاعلا نافعا، بحيث يكون وجوده فى الدنيا مصلحة له وللبشرية، ولا يعيش فى هذه الحياة بلا هدف ولا معنى، بلب يؤثر فى الحياة، ويصلح انحرافها، ويقوم عوجها، ويكون إيجابيا، عمليا، له دور فى هذه الحياة مع نفسه، ومع بيته، ومع أصدقائه، وفى عمله، وله دور مع الدنيا من حوله، وهذا هو سر خيرية الأمة «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» (آل عمران: 110)، «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (التوبة:71). السبب الذى جعل الله لأجله هذه الأمة خير أمة أنها أمة إيجابية ناصحة، جعلت شعارها «الدين النصيحة»، وليست النصيحة مجرد موعظة يلقيها الشيخ فى المسجد أو درس يلقيه الأستاذ على طلابه، بل أعم من هذا بكثير، النصيحة معناها أن ترى عوجا فتقومه، أوخطأً فتسدده، أو صلاحاً فتساعده، أو عملا طيبا فتمد يدك لمعاونته ومؤازرته، هذا معنى النصيحة أن تكون هناك حركة نفسية فى مساعدة الصالحين وفى مواجهة المفسدين. وما لم نفهم هذا ونعمل به؛ هلكت الأمة كلها. فهل قررت أن تكون إيجابيا لا تسكت على خطأ ولا ترضى بفساد ولا تقعد عن المشاركة فى كل إصلاح؟