بعيداً عن الأضواء اجتمعت مجموعة من المفكرين والباحثين فى الشئون التاريخية والإسلامية لدراسة كل ظاهرة تظهر فى المجتمع المصرى، وأطلقنا عليها اسماً مؤقتاً وهو «تيار المواجهة»، وقد تسارع المفكرون فى تأييد هذا التيار، ذلك أننا قد تقاعسنا كثيراً عن مواجهة الأفكار المنحرفة فى سائر الاتجاهات السياسية، وكان أهمها ذلك الإرهاب الذى يسود مصر الآن تحت غطاء دينى، من أجل ذلك قمنا بإصدار بياننا الأول فى هدوء شديد، وقمنا بتوقيعه بالنيابة عن أعضاء تلك الجبهة، وقد أسعدنى موافقة كل من فضيلة الشيخ «أحمد كريمة» والأستاذ الإعلامى «عاصم بكرى» والشيخ المتحضر دائماً «مظهر شاهين»، ثم اشتملت التوقيعات على عقول داست فى أرض الأفكار التى ادعت أنها إسلامية فعلمت كيف تنشأ الفكرة، وبأى دافع، وإلى أى الأهداف تنتمى، مثل الأساتذة (مع حفظ الألقاب) «أحمد ربيع» و«طارق أبوالسعد» و«كامل رحومة» و«ثروت الخرباوى» و«حاتم قريطم» و«سامح عيد» و«طارق البشبيشى» و«أنور عبدالعزيز» و«أحمد بان»، والصحفية النابغة «أمل أيوب». وقد توصلنا جميعاً من خلال استقراء الأحداث إلى عشر حقائق؛ فأما الحقيقة الأولى فهى أن الإرهاب دائماً ما يحاول أن يصور جنونه أو سلوكه الخاطئ ببرواز براق يأخذ شكل الدفاع عن قيمة أو عن عقيدة أو موقف، ثم يحاول أن يفرض هذه العقيدة أو هذا الموقف على الناس بالقوة إلا أنه يسمى هذه القوة والجبروت باسم يحمل المعانى الطيبة، مثل «الجهاد» أو «الشرعية» أو «النضال»، أو غير ذلك من الأسماء. وأما الحقيقة الثانية فهى أن الإرهاب دائماً ما يغلف قلة عدده وانصراف الناس عن قضيته إما باتهام الناس فى عقولهم وإدراكهم أو فى نواياهم، بأن يسبغ عليهم صفات العمالة أو الغفلة. الحقيقة الثالثة هى أن الإرهاب إنما هو حالة نفسية لا أصل للفكر فيها ولا حجة وإنما عادة يكون مرده إما إلى مركب نقص فى شخصية الإرهابى أو أنه بدافع عن شهوة داخل نفسه كشهوة حب التملك أو حب السيطرة أو حب السيادة أو حب الاستعلاء أو أى شهوة أخرى من شهوات الدنيا، ولكنه لا يعرضها للمجتمع بحالتها وإنما يغلفها دائماً كما سبق القول بغلاف وجيه، حتى يظهر أمام المجتمع بصورة صاحب القضية أو صاحب الفضيلة. أما الحقيقة الرابعة التى تنبنى على كون أن الإرهاب هو حالة إشباع نفسية فهى أن الإرهابى لا يعرف الحوار أبداً، ذلك أن الحوار قد يكشف ما فى نفسه من عجز وعوار، فإذا ما تصادف يوماً أن فرضت الحوار على إرهابى فهو إما يواجهك بانفعال يكشف عن عجزه أو أنه يرفض أن يواجهك من الأصل، ثم يضع لهذا العجز عن المواجهة شكلاً إسلامياً براقاً. أما الحقيقة الخامسة فهى أن الإرهابى ينكر الواقع تماماً أو أنه يتخير من الواقع تلك المقدمات التى تؤدى إلى النتائج التى يتبناها دون أن يضع بجوارها مقدمات أخرى، فيعيش حالة من الإنكار يعلمها أطباء النفس جيداً. أما الحقيقة السادسة فهى تتلخص فى أن الإرهابى نظراً لما يحمله من غل يعشق إبادة خصومه، فهو يتمنى لهم الموت أو المرض أو العجز ويفرح لمصابهم ويحزن لانتصارهم وينتظر قدر الله فيهم ولو بالموت فإن لم يأت الموت صنعه هو بيده، ويستخدم القتل لأنه هو الوسيلة الوحيدة التى يملكها للتخلص من خصومه. أما الحقيقة السابعة فتكمن فى أن الإرهابى يبحث بين جدران الكتب وأحكام الفقه عن أحكام يقنع بها نفسه التى ترجح اعتقاده ولو انحرف بها عن معناها الأصلى، ففى قضية الجهاد الكبرى مثلاً التى تحمل رقم 462 لسنة 1981 قام المرحوم خالد الإسلامبولى وقليل من أصحابه بقتل الرئيس أنور السادات، ثم قام بقية أفراد التنظيم بالانتشار فى أرجاء الجمهورية، فقتل المهندس عاصم عبدالماجد أكثر من مائة وعشرين فرداً من الجنود والضباط، بعد أن قام هو ومجموعة بالمرور عليهم فى الأقسام، وقد مات بعض الجنود وهم يصلون، وهذا أمر روايته تطول، لكن الذى نحب أن نبرزه أن الذين قاموا بالقتل تعرضوا لهجوم فقهى حاد، كان كله يجرم قتل النفس وقتل الحاكم حتى لو امتنع الحاكم عن تطبيق الشريعة الإسلامية. فقامت مجموعة من السجناء من أعضاء التنظيم بالرد على كل هذه الحجج والآيات ثم أصدروا كتاباً تحت عنوان «حكم قتال الطائفة الممتنعة»، وأوردوا فى هذا الكتاب ما أطلقوا عليه باب الرد على الشبهات، وأعلنوا هذا الكتاب من داخل القفص فيما زاد على مائتين من الصفحات. إلى هنا وينتهى الفصل الأول من القصة، أما الفصل الثانى فقد تم عرضه بعد خمسة عشر عاماً من سجن أعضاء التنظيم، فقد أصدروا كتاباً جديداً عدلوا فيه عن كل آرائهم واستدلوا على عدولهم بكل الحجج والآيات والأدلة التى قاموا بالرد عليها فى كتاب «حكم قتال الطائفة الممتنعة»، الذى سبق أن أصدروه، وتبادلوا المواقع مع الذين كانوا ينكرون عليهم قتل السادات وقتل الجنود الآمنين، فأصبحوا هم الذين يقنعون أفراد التنظيم فى كل السجون بأن قتل السادات والجنود الآمنين كان جريمة، بل واستدلوا بنفس الحجج التى كانوا يرفضونها، والأكثر من هذا أنهم قاموا بإعلان الصوم كتكفير عما قاموا به من قتل وظلم. وأما الحقيقة الثامنة أنه وبدراسة الإرهاب وتاريخه ولاسيما فى العصر الحديث اكتشفنا حقيقة ثابتة مضمونها أن الإرهاب لا ينتصر أبداً، فقد ظهر فى الأربعين سنة الأولى لوفاة الرسول ثم اختفى، واستخدم أسلوب القتل مراراً وتكراراً، ثم ظهر فى الأندلس وكان سبباً من أسباب سقوطها، ثم اختفى حتى وصلنا إلى قضية الفنية العسكرية، التى قتل فيها عشرات الجنود بنيران الإرهاب، وكذلك قضية التكفير والهجرة؛ فقد تم خطف الشيخ الذهبى وقام أحد المتهمين فى القضية بإطلاق النار فى عين الشيخ المسن وهو راقد فى السرير بعد خطفه، وقد مات مقيداً (رحمه الله) وهو عالم من علماء الأزهر، ومع ذلك فقد اختفى هذا الفكر ومن كان يحمله من إرهابيين جميعاً. الحقيقة التاسعة أن الحالة النفسية التى يمر بها الإرهابيون لا تجعلهم فى تنازع مع المجتمع فحسب، ولكنهم أيضاً يتنازعون فيما بينهم بعضهم البعض. وأما الحقيقة العاشرة فهى أن الإرهاب لا يقنع عقولاً ولكنه يلتقى مع نفوس متشابهة مع بعضها تحمل ذات المرض وتنتهج ذات النهج، ويشفى غليل الجمع الإرهابى ما يقوم به الواحد منهم من جرائم. كما يتفق جميع الإرهابيين فى صفة واحدة وهى أنهم لا يدرسون الواقع ولا يستفيدون من التاريخ، ولو فعلوا لعلموا أنه لم ولن يهزم الإرهاب شعباً.