تفاقمت أحداث العنف الأسبوع الماضى بدءاً بحادث شمال سيناء الإرهابى الذى راح ضحيته أبناء الجيش المصرى. وكشف هذا الحادث عن تدنى مستوى الأداء التليفزيونى المصرى الرسمى والخاص وعن اللامهنية فى تغطية الأحداث وغياب الإعلام عن أهمية دوره فى وقت الأزمات والكوارث. وبالرغم من أن بعض القنوات الخاصة قامت بالتغطية المباشرة لأحداث شمال سيناء من خلال متابعة الأحداث وإذاعة فيديوهات نقل المصابين وزيارة الرئيس لمكان الحادث ومتابعة تطور الأحداث فى المنطقة، بالإضافة إلى استضافة خبراء لتحليل الوضع الأمنى والسياسى ونقل ردود الأفعال المحلية والعالمية، فإن كثيرا من القنوات غطت الحادث بطريقة درامية تفتقر للمهنية ويغلب عليها التسطيح. أما التليفزيون الرسمى فتابع سياسته المعتاد عليها فى تعتيم وتضليل الجمهور والتأخر فى إذاعة الأحداث فور حدوثها. وأخذ ينقل الأخبار عن التليفزيون الإسرائيلى، كما تأخر فى نقل تصريحات المسئولين وردود أفعالهم مما أدى إلى انتشار الشائعات. لقد نسى التليفزيون الرسمى دوره فى توفير المعلومات وتبصير ومعرفة المواطنين بكافة تطورات الأحداث ودوره فى تعزيز مبادئ المواطنة والترابط الاجتماعى بين مختلف فئات المجتمع، وأعتقد أن دوره تجارى فاستمر فى إذاعة المسلسلات والإعلانات. ولكن هذا ليس غريبا على نظام إعلامى تسيطر عليه الحكومة، ويعانى من نظام إدارى يتسم بمركزية شديدة، بالإضافة إلى عجز فى الميزانية يقف أمام أى تطور. لذلك يجب السرعة فى إعادة هيكلة التليفزيون الحكومى وتحويله إلى إعلام الخدمة العام الذى يهدف أولا إلى خدمة المواطن وتثقيفه وتوعيته. ثم تلاحقت الأزمات الأخرى عندما حاصر آلاف من أنصار جماعة الإخوان المسلمين مدينة الإنتاج الإعلامى وقاموا بارتكاب أعمال عنف تجاه بعض الإعلاميين احتجاجا عن نقدهم للرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين. ويعتبر هذا بداية الانهيار لحرية الرأى والتعبير وهما حق مكفول لجميع المواطنين والأعمدة الأساسية لتحقيق الديمقراطية ولممارسة الإعلام دوره الحقيقى. فإذا كان خلق السلاسل البشرية لإرهاب الإعلاميين والتعدى عليهم ومنعهم من ممارسة عملهم وتكميم أفواههم هى خطة الإخوان لمنع أى أصوات مضادة للرئيس مرسى، فسيؤدى هذا إلى زيادة تشويه صورتهم وعلى تأكيدات الرئيس على عدم المساس بحرية الإعلام. كما أن إغلاق القنوات الخاصة لا بد أن يكون قائما على أسس وتكون الجهة المسئولة تتمتع باستقلالية لتضمن ممارسة دورها دون تدخل سياسى. فالأمر هنا لا يتطلب فقط إنشاء جهاز أو هيئة لتنظيم الإعلام المسموع والمرئى وإنما يتطلب ضمان استقلاليته. فمن أهم الخطوات والقرارات التى يجب اتخاذها لضمان استقلالية الجهاز هو فصله فصلا تاماً عن الحكومة من الناحية الإدارية والمالية، وأن تكون قراراته إلزامية ويكون الجهة المسئولة لإصدار التراخيص بدلاً من هيئة الاستثمار التابعة للحكومة. كما يحق للجهاز فرض عقوبات مثل الإنذار بالمخالفات، فرض غرامات، ثم قرار بوقف البث وهذا على عكس ما يحدث الآن. وأخيراً يجب وضع سياسات على أن يكون البرلمان المنتخب انتخاباً حراً هو الجهة الوحيدة المنوط بها مسألة جهاز التنظيم. ولكن دور البرلمان فى المسألة لن يكون له جدوى إلا إذا جاء البرلمان الجديد معبراً عن كل فئات الشعب المصرى عن طريق انتخاب حر مباشر على عكس المجلس المنحل الذى كان يسيطر عليه التيار الدينى أو حزب واحد كما كان قبل الثورة.