يكفى إلقاء نظرة على ما يجرى فى عالمنا العربى للتأكد من استحالة أن يكون كل هذا العبث «صناعة محلية»، والأدلة تحتاج إلى ملايين الصفحات، التى قرأ لنا بعضها المحاضر الإسرائيلى دافيد وينبرج، مدير «مركز بيجين- السادات للدراسات الاستراتيجية»، فى فيديو عرضته الإعلامية اللامعة والواعية أمانى الخياط فى برنامج «صباح أون»، على قناة «أون تى فى»، كشف المحاضر الإسرائيلى، والسعادة تطفح من قسمات وجهه وصولا إلى «الكيبا» التى يضعها فوق رأسه، تأكيدا لانتمائه اليهودى الأصولى، عن «اطمئنان إسرائيل بصورة لم يسبق لها مثيل»؛ فالجيش العراقى قد اختفى، والسورى تقلص إلى النصف، والمصرى، نصف فرقه فقط نشطة وغير متآكلة أو فاسدة أو متهاوية، وهكذا فإن التهديد العسكرى العربى لإسرائيل قد تبخر!!»، وزيادة فى دواعى الاطمئنان لعقود قادمة فى رأيه، يلفت الرجل نظر مستمعيه، الذين لم تظهر وجوههم، على الأرجح لكونهم عسكريين، إلى أن المجتمعات العربية تزلزلها صراعات داخلية، من ليبيا إلى تونس عبر مصر، إلى سوريا، ولم تصل بعد، للأسف، إلى الأردن! وكما نرى فإن لحظة «الأسف» الوحيدة كانت لأن الزلزال لم يصل إلى الأردن بعد!! وقد أشار المحاضر الإسرائيلى إلى مخطط تمزيق الوطن العربى والعمل بكل السبل لعدم تكرار أى تقارب عسكرى مثلما جرى فى حرب أكتوبر 73، بين مصر وسوريا والعراق!! ومع استبعاد، إن لم يكن استحالة، ذلك، فالمحصلة هى أن «إسرائيل تنتصر!»، ولم ينسَ اليهودى الأصولى أن يتباهى بالتقدم الذى أحرزته إسرائيل، خاصة فى ميادين التكنولوجيا الحديثة، ساخرا من «تخلفنا» وهو يقول: «ما هى الإسهامات الخلاقة التى ساهم بها العالم الإسلامى العربى، حولنا، للعالم خلال المائة سنة السابقة، ما هى التكنولوجيا التى اشترتها منهم فيس بوك ومايكروسوفت وياهو وأنتيل؟ وما هو ناتج العالم العربى من كل تلك الدول الكثيرة حولنا إذا نحينا البترول؟»، ثم، وبعد أن استعرض سعادة إسرائيل الغامرة بما نعانيه، بل أيضا «شكر الرب» عليه، أضاف سببا جديدا لسعادته، وهو اكتشاف حقول غاز فى إسرائيل. هذا بعض ما قاله المحاضر الإسرائيلى وهو لا يحتاج لكثير عناء كى يدرك أى إنسان أن «الزلزال» فى الوطن العربى يحدث وفق مخطط يعرف مدى خطورة أى تقارب عربى، واضعا فى الاعتبار تجربة حرب العبور، التى كانت زلزالا حقيقيا لإسرائيل، واضح أنها لم تبرأ من آثاره بعد، وربما لن تبرأ أبدا، ويستعين لتنفيذ هذا المخطط، الذى لم يعد قابلا للإخفاء، بأدوات داخلية، تارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم العرق، وغير ذلك من جراب الحاوى الذى لا يفرغ من الثعابين والحيات.. وفى الوقت الذى يحقق فيه الآخرون قفزات علمية نوعية هائلة، يصم آذاننا «القادة الإسلاميون الجدد» بفتاوى التكفير وكل ما يتصل بالنصف الأسفل من الإنسان وتصميم «شكل» المسلم ومظهره الخارجى طبقا ل«مصممى الأزياء لديهم»، والتحريض على نسف معالم حضارتنا القديمة حتى تتحول مصر إلى صحراء، لا أثر فيها ولا معالم، تدل على تاريخ عريق.. فى نفس الوقت، تتعالى أصوات جماعات الإرهاب المتسترة باسم الإسلام، تهدد وتتوعد، وتنتقل من القول إلى الفعل، بالتزامن مع تدفق التصريحات، الكاشفة، من أمريكا وبريطانيا وغيرها، تدافع عن الذين عهدت إليهم بتنفيذ «الشرق الأوسط الكبير» بأن تتفتت دوله إلى بضع مئات من «الدُويلات» التى لا حول لها ولا قوة!! الفيديو الذى أشرت إليه يفك الشفرة بأكملها تقريبا، ولو كنت من التليفزيون المصرى لأذعته على كل القنوات، ولكن مع الإشارة إلى أن المحاضرة الإسرائيلية المتفائلة كانت بتاريخ الثانى من يونيو؛ أى قبل مفاجأة «ثلاثين يونيو»، المدوية، المبهرة، لشعب معجزة، نسف فصول المخطط، وجعل أعداء مصر والأمة العربية يدورون حول أنفسهم، وكان لا بد لنا أن «نشكر الله» وننفض غبار عقود، لا أعادها الله، وكل عام ومصر والوطن العربى والإنسانية كلها بخير.