فى قرية المحمودية بالبحيرة، تفوح رائحة الحطب داخل المسجد ممزوجة بدخان البخور، ينشد الشاب ويرج تصفيق الشاب المتحمس جدران المسجد المُشيَّدة بالطوب اللَّبِن.. تفوت سنون، ينتقل خلالها الشاب حسن البنا للدراسة فى القاهرة، ثم للعمل بالإسماعيلية حيث أسس جماعته فى 1928.. تفوت سنون ويتورط تنظيمه فى اغتيال أحمد ماهر، رئيس الهيئة السعدية، فى 1945، ثم القاضى أحمد الخازندار ورئيس الحكومة محمود النقراشى فى 1948.. وفى غرفة معتمة استجوب «البنا» بنفسه أفراد تنظيمه المتورطين فى قتل «الخازندار»، فقال له عبدالرحمن السندى، القاتل: «لقد سألت فضيلتك عن حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، فأجبتنى بآيات بينات: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}، فاعتبرت هذا إذناً»، فقال «البنا»: «إن كان قتلك ل(الخازندار) بحسن نية فعلينا الدية»، وانتهى الأمر. سنّ «البنا» سنة اتبعتها جماعته المؤسسة فى بواكير القرن الماضى، حتى إن حوادث القتل التى نفذتها الجماعة طالت بعض أفرادها حين قُتل سيد فايز، أحد أعضاء التنظيم الخاص، بتدبير من «السندى» قاتل «الخازندار».. سُنة لم تزل موجودة حتى بعد مضى نحو عشرات السنوات من مقتل «البنا»، عام 1949، وظهرت فى كتابات متبعيه، وأبرزهم سيد قطب، صاحب كتاب «معالم فى الطريق»، الذى أُعدم فى 1966. ولد صاحب العباءة فى مدينة المحمودية، إحدى مدن محافظة البحيرة فى 1906، وانضم لحلقات الطريقة «الحصافية الشاذلية» فى قريته حين بلغ الرابعة عشرة.. وانتقل «البنا» إلى القاهرة للدراسة فى مدرسة المعلمين، ثم للعمل فى الإسماعيلية حيث أسس هناك جماعة «الإخوان المسلمون»، بمشاركة ستة من شباب المحافظة بايعوه فيها على «السمع والطاعة فى المنشط والمكره» كمرشد لهم. دشن «البنا» تنظيماً سرياً خاصاً دُرِّب أفراده على حمل السلاح، وبعدها تورط هؤلاء فى عدة قضايا اغتيال وتفجير، من بينها قضية «سيارة الجيب» التى عُثر بها على كمية من المتفجرات، وكذلك محاولتهم تفجير إحدى المحاكم التى تنظر فى قضايا اتُّهم فيها أعضاء بالنظام الخاص، ثم اغتيال الجماعة لرئيس وزراء مصر الأسبق محمود فهمى النقراشى وهى الجريمة التى دفع البنا حياته ثمناً لها. بعد رحيل «البنا» لم يكفَّ أفراد جماعته أيديهم عن العمليات الإرهابية، فتفرعت عن الجماعة فرق مسلحة راحت تنفذ سلسلة من العمليات، أشهرها اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، وبينما يرقد «البنا» فى مقبرته بالإمام الشافعى تنتهى جماعته التى ادعى أنها جماعة دعوية نهاية لم تكن تخطر له على بال، حيث صدر قرار حكومى وشعبى باعتبارها جماعة إرهابية.