للمفكر السعودى الراحل «عبد الله القصيمى» مقولة، يذهب فيها إلى أن: «الثورة على الأنظمة العسكرية أصعب بكثير من الثورة على الأنظمة الملكية»، وكان يبرر ذلك بأن الأنظمة العسكرية تميل إلى الطابع القمعى، حيث تعتمد على قاعدة تنظيمية متماسكة، وذراع تخابرية مبصرة، وذراع بوليسية قاهرة، وتساعدها تلك الإمكانيات على رصد جيوب النقمة عليها وتصفيتها أولاً بأول. ومهما اتهمت هذه الأنظمة بالعنف فإنها لا تتوانى عن تسليط أدواته على من يعارضها وينذر بالإطاحة بها من فوق كراسى الحكم. وعلى العكس من ذلك يرى «القصيمى» أن الأنظمة الملكية يمكن الثورة عليها من باب ما تسمح به من حرية فى التعبير عن الرأى، وتكوين الأحزاب، وحرية الحركة، بشكل يمكن أن يبشر بالتغيير عندما تكتمل شروطه وتأتى لحظته وزمانه. وللإنصاف نقول إن الرئيس محمد مرسى استطاع -أمس الأول- أن يقضى نهائياً على الحكم العسكرى الذى سيطر على مصر لمدة تقترب من الستين عاماً، ليحقق واحداً من أغلى أهداف ثورة يناير، لنخرج من عصر كان مصدر شرعية الحكم فيه هو الانتماء للمؤسسة العسكرية إلى عصر الحكم المؤسس على اختيار الشعب. فبالإطاحة بكل من المشير «طنطاوى» ورئيس أركانه «عنان»، وحل المجلس العسكرى، يمكن القول بأن ثورة المصريين فى يناير 2011 قد آتت أولى ثمارها، خصوصاً إذا أعقب هذه الحركة الخاطفة التى تمت على مستوى المجلس العسكرى حركة أخرى على مستوى المحافظين والقيادات العسكرية داخل المؤسسات المدنية المختلفة ليتم تحرير مفاصل الدولة كاملة من عصر يوليو 1952. وقد شاء الله أن تتم هذه الخطوة على يد جماعة الإخوان، رغم أنها لم تفكر عبر تاريخها الممتد إلى ما يقرب من ثمانين عاما فى الثورة على العسكر، لكنها نجحت فى السيطرة على ثورة 25 يناير، بعد قيامها على يد الشباب، والطابور الطويل العريض من المواطنين المصريين الذين أحسوا بالغُبن وإهدار الكرامة. اهتبلت الجماعة الفرصة، وتحركت بسرعة للسيطرة على مواقع الحكم المختلفة بعد الثورة. ومن عجب أن الجماعة كانت أكثر مَن دافع عن المجلس العسكرى طيلة الشهور الماضية، وأجهضت كافة التحركات الجماهيرية ضده، ومكثت تنتظر فى تؤدة وأناة اللحظة المناسبة حتى كانت ضربة الثانى عشر من أغسطس التى قضت على الحكم العسكرى لمصر. لقد سبق أن خرج الملايين منادين بسقوط العسكر، لكن لم يكن بوسعهم أن يقضوا على الحكم العسكرى الذى تعامل معهم بالقمع والقتل والمحاصرة، ليبقى الإخوان وحدهم الأقدر على إنجاز المهمة لأنهم مثل العسكر يمتلكون القاعدة التنظيمية، والأذرع القتالية التى تساعدهم على وراثة حكمه. بسقوط العسكر اختفى أول شريك فى خيانة الثورة.. والبقية تأتى!