أطفال هم رغم الكهولة، أبرياء رغم ما قاسوه من ويلات، تسعدهم أبسط الكلمات، يقرون أن أيامهم فى الحياة معدودة لذا لا يبغون سوى رضا الخالق، جلسوا على شاطئ النيل «خروجتهم الوحيدة» يتأملون رحابة المشهد، بعدما تحرروا من جدران دار المسنين التى تلازم خطواتهم الوئيدة. «احنا هنا عشان خدمتكم» بوجه بشوش قالتها هدى السيد، أمين عام جمعية «شباب فرسان»، صاحبة الدعوة للإفطار الجماعى للمسنين، وهى تأخذ بيد الحاجة «حكمت متولى» إحدى الزائرات، ترد المرأة العجوز التحية بأفضل منها بضحكة ملأت وجهها خرجت من القلب، تتهلل أسارير السيدة السبعينية فور رؤيتها مياه النيل فآخر مرة جلست قبالته كانت قبل نصف قرن: «جيت الزمالك وأنا عندى 16 سنة ومن ساعتها مبخرجش على النيل خالص.. ربنا يبارك لكم»، تمسك «موبايل» لا تجيد استخدامه وحافظة صغيرة تشبه محافظ الأطفال، 10 دقائق وينطلق أذان المغرب بينما تشرب هى على استحياء «السكر يا ابنى ربنا يعافينا.. والسنة دى الحر مش عارف يخلينى أصوم»، رغم بلوغها سناً عتية تشعر الحاجة «حكمت» براحة نفسية تقبل يدها وتنظر بابتسامة إلى السماء فتبدو 3 أسنان فى فمها وكأنها طفلة «بتسنن»: «لما بنكبر مابنعرفش نلف وندور دايماً اللى فى قلبنا على لسانا». على كرسى متحرك زاغ بصره نحو المياه، متخذاً ركناً بعيداً، طاقية شبيكة تُزين رأسه يحاول بصعوبة تحريك يده اليمنى، الجميع أحضرهم أبناؤهم إلى الدار بعدما طال بهم قطار العمر، فيما أصر هو على مغادرة منزله طوعاً حين فقد ولده «كان ضابط شرطة زى الفل.. من ساعة ما راح وأنا مبقتش أحب الشارع.. فى الدار برتاح أكتر» الحاج «محمد أحمد» لم يكمل عامه ال52 ورغم ذلك فقد عرفت الشيخوخة طريقها إلى وجهه. يؤذن للمغرب فيجاهد المتطوعين فى تلبية رغباتهم فهم أصحاب الفرح، تأتى اللحظة التى تجعل وجههم كالقمر، توزيع «المصاصة» تلك الحلوى المرتبطة بالأطفال تشعرهم بالسعادة، يرسو المركب على الشاطئ ليقلهم فى رحلة نيلية «يا رايحين للنبى الغالى.. هنيلكوا وعقبالى.. أمانة الفاتحة يا مسافر لمكة تقضى فرض الله» تشدو بها «كريمة حسين» فينصت لها الجميع، السيدة التى تشرف على عامها ال74 تتندر حين تسألها عن عمرها فتجيبك «أنا عندى 12 سنة»، المكان يضم جميع الأعمار الشباب والشيوخ والأطفال كلهم فى حالة بهجة «إحساس عظيم.. ياريت ألاقى حد يعمل معايا كده وأنا فى سنهم» تقولها نادية سليمان إحدى المتطوعات، ربة المنزل لها نحو 13 عاماً فى زيارة المسنين ومشاركتهم لحظاتهم، يشخص بصر الحاجة «سنية عبده» أقدم نزيلات الدار صوب النجوم، فتطبع طفلة قبلة على جبينها فتعقب المرأة العجوز: «يا حبيبتى يا بنتى» فتهلل «ياسمين» صاحبة العشرة أعوام التى أتت مع مدرستها لتدخل السرور على قلب شخص كبير كما علموها، «ضحكتهم تساوى الدنيا كلها.. وكمان بحس إنهم زى مامتى الله يرحمها».. يعود المركب مرة أخرى إلى الشاطئ بعد جولة استمرت ساعتين مرت كلمح البصر، غير أن وعداً بتكرار الدعوة فى القريب أنارت قلوب الكبار.