أنا مشكلتي بابا وماما مجانين وكبار في السن، ومطلّعين عيني، مش عارفة أعمل أي حاجة منهم، مش عارفة أنجح في حياتي، كل حاجة يحشروا نفسهم وما بيريّحوش نفسهم خالص، بيدوّروا على المشاكل. ولي أب مجنون؛ كل شوية يقول اقفلوا التلاجة، ما تشغّلوش الغسالة، اطفوا النور.
أبونا كرّهني في كل الأبهات، جابوا لي بَلَه وجنان وتخلّف عقلي حاد، مش عارفة أشتغل ولا أنجح في حياتي رغم إني كنت متفوقة في دراستي وطموحة وبحب الشغل، وبعدين سنهم كبير ومش فاهمين حاجة خالص في الحياة. h الصديقة العزيزة "الغاضبة".. هل سمعت من قبل عن مقولة "الغضب حماقة"؟ إذا كانت المرة الأولى التي تسمعين فيها هذه المقولة فدعينا نتأملها سوياً ونحللها معاً. ما دخل الغضب بالحماقة؟ الغضب يُلغي دور العقل ويجعل من الإنسان العاقل مُسخة بلا إرادة؛ فتكون الحماقة هي سمة كل تصرفاته.. ويؤسفني عزيزتي أن أخبرك أن غضبك قد ساد تصرفاتك فأصبحت "حمقاء"! وبما أنك غضبانة جداً بالشكل ده؛ فأكيد تصرفات أهلك وصلت للحد الذي لا يُحتمل، وأكيد أنك بذلت كل جهدك عشان تعيشوا بهدوء ودون مشاكل لحد ما يتقدم لك ابن الحلال اللي يخلّصك منهم ويخلّصهم منك؛ لكن على ما أعتقد ما فيش فايدة. وكلمة "ما فيش فايدة" أنا بالذات لا أؤمن بها، ولا مكان لها في قاموس حياتي؛ ولكن سأوافق جدلاً عليها معك لنرى كيف تتصرفين في أهلك المجانين كبار السن: أولاً: ممكن بسهولة وبساطة تتركي لهم البيت وتروحي تعيشي عند ناس أعقل منهم وتصرفاتهم أحسن، وساعتها أنت وبختك؛ تشتغلي عندهم بلقمتك ونومتك، ولا يعايروك بأنك عالة ولا خير فيك؛ لأنه لا خير لك في أهلك. أو تقعي فريسة لأولاد الحرام يحوّلونك من واحدة محترمة كانت عايشة في بيت أهلها آمنة مستقرة لواحدة مشرّدة في البيوت وعند الأقارب من البيت ده للبيت ده. ثانياً: ممكن وبسهولة تطردي المجانين دول في الشارع وهم كبار في السن لا هيقدروا يهشوا ولا ينشوا، وممكن لو عندك فلوس تضعيهم في بيت مسنين، وممكن تبلّغي عنهم مستشفى الأمراض العقلية، وطبعاً ممكن تقلّدي رية وسكينة وفوطة مبلولة ولا من شاف ولا من دري وترتاحي راحة أبدية إن شاء الله. عزيزتي.. أنا كان نفسي أنصحك أن تخافي ربنا في أهلك عشان "من زرع حصد" و"عامل تعمل" و"من قدم شيئاً بيديه التقاه"؛ يعني أولادك هيكونوا نسخة منك وهيعملوا فيك اللي بتعمليه في أهلك واللي هتعمليه فيهم.. ما هي الدنيا كده ازرع تحصد، وربنا سبحانه الذي قال: {ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} سيحاسبك على مجرد الحكم عليهم بالجنان والتعامل معهم على أنهم مجانين، وعلى نسيانك أنك الآن كبيرة -وبتعرفي تحكمي عليهم- بسببهم وبفضلهم، وبأنك بدل ما تصبري عليهم وتسألي ربنا يشفيهم ويبعد عنهم مِحَن الشيخوخة وفِتَن آخر العمر؛ بتشتكي إنهم طلعوا عينك، طبعاً بعد ما طلّعوا عقلك ورحمتك وخوفك من ربنا سبحانه وتعالى. وأنا صديقتي قلت لك في أول الرد إن أنا لا أؤمن بالمستحيل، وأن أبواك المسنان بحالتهما التي تشتكين منها موجودان في كل بيت، وتصرفاتهم واحدة، ولذلك وصّانا بهم الله وجعل الرفق والرحمة بهم بعد عبادته مباشرة؛ قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}. ونصيحتي لك -صديقة بص وطل العزيزة- تتلخص في هذه القصة فافهميها بقلبك وبعقلك، ثم تصرفي مع أهلك. جلس رجل مسنّ مع ابنه بالقرب من نافذة؛ فسأل الأب ابنه عن طائر كان يقف على الشجرة؛ فقال الابن: هو غراب يا أبي، ثم سأل الرجل العجوز ابنه مرة ثانية نفس السؤال؛ فقال الابن: غراب يا أبي.. وظل العجوز يسأل نفس السؤال والابن يجيب نفس الإجابة؛ حتى صرخ الابن في أبيه وقال: إنه غراب يا أبي ألا تفهم؟ هل صعب أن تفهم أنه غراب عشان تسأل كل هذه المرات؟... انتظر العجوز حتى سكت الابن وقال له العجوز: أتعرف أين دفتر مذكراتي الذي سأطبعه على الناس ليعرفوا علمي وفقهي وحكمتي؛ فقال له الابن نعم؟ فقال العجوز افتحه واقرأ صفحة كذا... قرأ الابن في الصفحة أنه سأل أباه وهو صغير عن الغراب الذي كان عند النافذة 23 مرة انتهت بأن حمل الأب الابن وانهال على وجهه تقبيلاً وحباً. وطبعاً فهم الابن أنه مهما فعل مع أبيه؛ فلن يعادل ما فعله الأب معه، وأهمّه حسن الأدب في التخاطب والصبر على الكبر الذي يتصرف فيه بعض المسنين وكأنهم أطفال، قال تعالى: {ومن نعمّره نُنَكّسه في الخلق أفلا يعقلون}. وتصوّري نفسك صديقتي محلّهم، وتصوّري ردّ فعلك وما تنتظرينه من الآخرين لو كنت مكانهم... الآباء صديقتي -حتى لو كانو مجانين- هم وسيلتنا الوحيدة لرضا الله علينا وتوفيقنا في الزواج والعمل والرزق في المال والذرية والسعادة، والشاطر صديقتي هو الذي يغتنم فرصة وجود أبويه ويلحق دعاءهما قبل ما "يفوتونا" ونصبح أيتاماً ولا يشعر بنا أحد ولا يرحمنا أحد كما يقول الشاعر: "فأنت أم أو أب فهذان في الدنيا هما الرحماء". (حتى لو كانوا مجانين). اهدئي صديقتي وحاولي أن تصبري؛ فالصبر جزاؤه من يد الله مباشرة لقوله تعالى: {وبشر الصابرين}.