مصر تمر بواحدة من أخطر أزمات تاريخها المعاصر.. وحدتها الوطنية، وترابها المقدس هو الهدف.. رغم ذلك فإن معظم أداء الحكومات التى تعاقبت على السلطة منذ 25 يناير 2011 دون مستوى التحديات، أما حكومة ثورة 30 يونيو فهى تعانى من قصور رؤية لأبعاد أزمة المرحلة الانتقالية، وعجز عن قراءة معالمها، وفشل فى تحديد إشكالياتها الرئيسية، وغياب القدرة على تحليلها ووضع آليات إدارتها، لم تستطع حتى ترتيب أولوياتها.. أحياناً ترتكب الأخطاء، وأحياناً أخرى تتعمدها لهوى، وهناك جرائم مكتملة الأركان، تفرض سرعة التدخل لوقف الانزلاق نحو هاوية خطط لها الإخوان وحلفاؤهم بالداخل والخارج.. محاولة تحديد الإشكاليات السبعة الرئيسية لعبور المرحلة الانتقالية مجرد إسهام متواضع فى جهود مطلوبة لاستشراف الطريق. الإشكالية الأولى: الدستور يعتبر الدستور أخطر الإشكاليات التى يواجهها الوطن.. الإعلان الدستورى المسير للمرحلة الانتقالية لم يحدد البدائل حال عدم استيفاء الدستور الجديد للأغلبية اللازمة لتمريره، الإخوان أعلنوا مقاطعة الاستفتاء لتبرئة ساحتهم، مما سيرتكبونه من جرائم.. التصويت ب«لا».. تعطيل الطوابير.. التعرّض للجان والمصوتين للحد من المشاركة.. هدفهم ألا يمر الدستور بأى ثمن حتى لا ينشئ شرعية تسقط دعاواهم بمشروعية «مرسى».. «النور» رغم إعلانه التصويت ب«نعم» فإنه لا يحكم سيطرته على قواعده المتعاطفة مع الإخوان، كما أنه لا يمثل السلفيين المنخرطين فى «جبهة الدفاع عن الشرعية». المناخ الوطنى كذلك ليس مواتياً.. اللغط حول إلغاء حصة العمال والفلاحين فى البرلمان، الفتنة بين المؤسسات القضائية، وبين الشرطة والنيابة، إصدار قانون تنظيم التظاهر وردود فعله، الثورة المضادة بالجامعات، مخاوف الجماهير من عزم الحكومة رفع أسعار المحروقات.. حالة الانقسام داخل المجتمع تضعف من فرص تمرير الدستور، أو تحد من نسبة الموافقين عليه. الأخطر.. أن هناك نية لدى الإخوان حال الموافقة على الدستور لرفع دعاوى قضائية لتجاوز لجنة الخمسين المهلة الزمنية «الإلزامية» المحدّدة فى الإعلان الدستورى، والتحايل على طريقة حسابها باستبعاد أيام الإجازات. إشكالية بالغة الخطورة تفرض اتخاذ الاحتياطات الواجبة حال وقوع المحظور بسرعة العودة إلى دستور 1971، بتعديلاته التى أجمع عليها الشعب فى استفتاء 19 مارس 2011.. هذا الإجراء لن يغلق الباب أمام حدوث فراغ دستورى فحسب، بل سيمثل تصحيحاً لمسار ثورة 25 يناير. الإشكالية الثانية: الأداء الإعلامى رغم مشاركة الإعلام بقوة فى إسقاط نظامى «مبارك» و«مرسى»، إلا أنه فشل فى إضعاف شعبية الإخوان، وربما أسهم فى تقويتها.. مظاهرات بضع عشرات من الجماعة يركز عليها، فيحوّلها إلى حدث يشجع نجاحه المنظمون والمشاركون على الاستمرار، أما ما يهز ثقة الأنصار والمؤيدين كجلسات قضايا تجسّس قادة التنظيم لحساب أجهزة مخابرات دولية، والتفريط فى تراب الوطن، فقد فرض حظر النشر عليها.. السواد الأعظم من قواعد الإخوان التحقت بالجماعة كأداة للإصلاح، فلماذا التستر على القيادات التى خدعتهم وانحرفت بالتنظيم فى طريق الخيانة؟ كذلك ينبغى وقف حملة تشويه ثورة 25 يناير وثوارها فوراً، لأن الحرص على وحدة شعب 30 يونيو هو حائط الصد ضد محاولات الاختراق الإخوانى.. سرعة تعديل مسار الإعلام وفق رؤية مهنية ووطنية تعتبر عنصراً مهماً فى حسم الموقف الراهن لصالح الوطن وضد من خانوه. الإشكالية الثالثة: الإرهاب الإخوانى المشاركة الأبرز للإخوان وميليشياتهم فى الثورة، اعتباراً من 28 يناير 2011، كانت اقتحام السجون والهجوم على مراكز الشرطة واغتيال الثوار للوصول بالثورة إلى نقطة اللاعودة مع مؤسسات النظام القديم، ناهيك عن دور ميليشياتهم فى فض اعتصام الاتحادية والتحرش بالنساء، أما جهدهم العسكرى فقد عبرت عنه منظمة «أنصار بيت المقدس»، التى بدأت نشاطها بأول تفجير لخط الغاز فى فبراير 2011. بعد سقوط الإخوان فى 3 يوليو، وسّع الإخوان نشاطهم التخريبى بإثارة الفوضى وقطع الطرق وتعطيل المؤسسات، اعتماداً على الألتراس، والمسجلين خطر، وعصابات الإجرام، والمتسولين وأطفال الشوارع، وأحرقت الكنائس ومراكز الشرطة ومديريات الأمن ومقرات المحافظات والنيابات فى الكثير من المحافظات. ما تم ضبطه من وثائق وأسلحة ومتفجرات بمقرات الإخوان يؤكد الطبيعة التخريبية للجماعة بما يكفى لإعلانها تنظيماً إرهابياً، وهو ما كان المحامى العام لنيابات جنوبالجيزة «ياسر التلاوى» أول من بادر به عندما اعتبر أن مجرد الانتماء إلى الإخوان اتهام يستحق المساءلة.. اتخاذ هذا الإجراء ينبغى ألا يتأخر، لأنه يدعم المؤيدين لمدنية الدولة، ويُضعف من أنصار الإخوان، ويسهم فى حسم المترددين لمواقفهم، أما دولياً، فسيُحد من التعاطف مع التنظيم، ويجبر دول العالم على تقييد نشاطه، بما يضعف من قدرته على تصدير الإرهاب إلى مصر. الإشكالية الرابعة: تطهير مؤسسات الدولة بدأت عملية الأخونة مع وصول «مرسى» إلى الحكم، ونتيجة لنجاحها، فإن عناصرهم بمؤسسات الدولة تدعم أنشطة الجماعة منذ 30 يونيو، 1800 كادر ضمن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات تشعل الحركة الطلابية، حتى النقابات تحولت إلى أدوات تدعم الإخوان.. لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء تُستَغل فى إخفاء التمويل الخارجى للجماعة.. نقابة المهندسين قررت صرف تعويضات لأسر ضحايا «رابعة والنهضة»، والمحبوسين احتياطياً، بما فى ذلك طلبة الهندسة والموظفون!! مما يشكل خروجاً على قواعد الصرف القانونية، واستغلال مجلس النقابة لأموالها لتحقيق أهداف سياسية وحزبية. القضاء انقسم بفعل الخلايا الإخوانية، كل الوزارات تم اختراقها، وكذلك قواعد البيانات بمركز معلومات مجلس الوزراء والسجل المدنى والجهاز المركزى للمحاسبات والتعبئة العامة والإحصاء، ناهيك عن بعض أجهزة الأمن، فسرعة التطهير أولوية أولى، واحتواء نتائج ما تم تسريبه من معلومات ينبغى أن توضع له خطة قومية. الإشكالية الخامسة: مَن يشغل مقعد الرئاسة؟ الفريق أول عبدالفتاح السيسى قاد المواجهة مع الإخوان، وتصدى لمخطط دولى لتفتيت الوطن، وما زال الشعب يتطلع لدوره الحاسم فى القضاء تماماً على الإرهاب.. لذلك تستهدفه حملات تشويه ضارية وصلت إلى حد تحميله مسئولية سوء اختيار بعض المسئولين وكذا سلبيات الحكومة.. الضغوط الشعبية لدفعه إلى انتخابات الرئاسة أمر مفهوم ومنطقى، لكن هناك مخاوف قوية من أن منصب الرئاسة قد يحوله إلى هدف للاغتيال المادى والمعنوى، وإلى محور لشقاق وطنى، فضلاً عن حشد موقف دولى مضاد ممن تبنوا نظرية الانقلاب.. مما قد يُفقد الوطن ما يمثله فى وضعه الراهن من أهمية كصمام للأمن.. لكن منصب الرئاسة ينبغى ألا يؤول إلى مرشح سابق تجاوزه الزمن، أو لطامح فى سلطة، أو مغامر يفجر الصراع بين الرئاسة ومؤسسة الدفاع.. إقناع الشعب بأهمية تثبيت الرئيس المؤقت ربما كان الاختيار الأفضل.. وتكليف السيسى برئاسة حكومة مدنية هو البديل لحكومات رخوة عاجزة عن فرض الأمن وإعادة الاستقرار. الإشكالية السادسة: مواجهة التدخل الخارجى فى يوليو 2013، اتجهت الولاياتالمتحدة لترشيح روبرت فورد كسفير لها فى القاهرة لتنفيذ مخطط إثارة الفوضى والصراع الطائفى، غير أن نجاح الإعلام فى كشف دوره -كرجل مخابرات- فى تشكيل «فرق الموت» الإرهابية بالعراق وسوريا، أجبر واشنطن على التراجع عن ترشيحه وتعيين ديفيد ساترفيلد قائماً بالأعمال، زميله فى المخابرات وشريكه فى تنفيذ المخطط الأمريكى بالعراق، عندما كان نائباً للسفير، ثم كبيراً لمستشارى كونداليزا رايس ببغداد، وليس مصادفة أن تتطور الأنشطة الإرهابية بمصر باستخدام السيارات المفخخة وأطقم الاغتيالات لأول مرة، بمجرد توليه مهام منصبه فى 29 أغسطس 2013 (5 سبتمبر محاولة اغتيال وزير الداخلية - 7 أكتوبر تفجير مديرية أمن جنوبسيناء، والهجوم على محطة الأقمار الصناعية بالمعادى - 19 أكتوبر تدمير مبنى المخابرات الحربية بالإسماعيلية - 17 نوفمبر اغتيال المقدم «مبروك» - 20 نوفمبر تدمير أوتوبيس إجازات المجندين فى رفح). «ساترفيلد»، يعاونه قرابة 1200 من ضباط وعملاء المخابرات بالسفارة، وتزوده سفارة «فرسان مالطة».. وهى سفارة دون دولة، بعملاء محترفين من شركة «بلاك ووتر».. أما السفارة التركية فتتولى تهريب الأسلحة الصغيرة والخرطوش وأدوات التجسس والتنصت والأسلحة المموّهة والسامة والملابس العسكرية التى يستخدمها الإرهابيون ضمن كونتينرات البضائع والأثات ولعب الأطفال الواردة لشركات الإخوان، وتتولى السفارة القطرية التمويل باستخدام الحقائب الدبلوماسية، تجنّباً لرصدها فى البنوك، فضلاً عن أعمال الاتصالات والتنسيق بين الإخوان والتنظيم الدولى من خلال المخابرات القطرية.. إجهاض المخططات الخارجية ممكن بتضييق حرية الحركة لعناصر المخابرات الدولية عن طريق ما يلى: - طلب سحب القائم بالأعمال الأمريكى، والسفير القطرى، وتخفيض أطقم السفارات الأمريكية والتركية والقطرية التى أصبحت تتجاوز احتياجات العلاقات مع مصر بعد تراجع مستوى التعاون الثنائى المشترك. - إغلاق سفارة «فرسان مالطة» بالقاهرة. - مراقبة الشحنات التجارية الواردة من تركيا لسد ثغرات التهريب على المخابرات التركية. - التعاون الاستراتيجى مع روسيا فى مجال رصد عمليات التهريب من ممر الأربعين «تشاد»، ووادى الجمال «السودان». - التعاون مع ليبيا لوقف التهريب عبر الحدود، وإغلاق معسكرات تدريب الإرهابيين. - تفعيل اتفاق يناير 2009 مع الولاياتالمتحدة وألمانيا وفرنسا بشأن تركيب أجهزة إنذار وكاميرات مراقبة متطورة للسيطرة على الحدود مع قطاع غزة، التى لم يتم تفعيلها لعدم الجدية فى إغلاق الأنفاق. - اعتبار نفق أحمد حمدى وكوبرى السلام والمعديات نقاط عبور أمنية لفحص الأفراد والشحنات، بما يحول دون تسلل الإرهاب إلى الداخل، ويمنع وصول أى دعم للإرهابيين بسيناء من الوادى. الإشكالية السابعة: إدارة الدولة الحكومة الحالية عجزت عن إدراك أن مصر تمر بمرحلة لا تحتاج فيها إلى «الأفضل» قدر حاجتها إلى «الأنسب» وأنها ليست فى حاجة إلى تغيير ما هو مستقر بقدر حاجتها إلى تثبيته، أما ما هو موضع خلاف، فينبغى التوافق بشأنه من خلال المواءمة السياسية، محاولة المساس بالثوابت خلال هذه المرحلة تثير النزعات الطائفية والمطالب الفئوية وتحول الوطن إلى غنيمة يتم التصارع على الفوز بأكبر حصة منها، تعويض قصور الحكومة لن يتم إلا من خلال تشكيل غرفة عمليات إدارة أزمة، مجموعة متخصصة تفكر لمصر بمنهجية خبراء السلطة، تساعد الحكومة على أن تعكس الإدارة الجماعية للدولة.. ترتب الأولويات.. ترصد الأهداف.. تحدد المسارات، إدارة هذه الغرفة ينبغى إسنادها إلى صاحب خبرة سيادية.. يمتلك «نظرة استراتيجية، كفاءة مهنية، قدرات إدارية»، لكن قبوله للمهمة مرهون بعدم توليه أى منصب سياسى بالتعيين لمدة خمس سنوات، مستقبل الدولة لا ينبغى أن يمر عبر المصالح الذاتية.. أما الجهات الممثلة بالغرفة فهى: - المخابرات العامة - الأمن الوطنى - المخابرات الحربية.. وكل منها يمثله 3 أعضاء يعبرون عن تخصصات مهنية (المعلومات - الأمن القومى - الخدمة الخارجية - النشاط الدينى - مكافحة الإرهاب - النشاط الاقتصادى). - ممثل عن الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة. - ممثل عن كل وزارة من وزارات الحكومة ومركز معلومات مجلس الوزراء والهيئة العامة للاستعلامات. - ممثل عن البنك المركزى وآخر عن هيئة الرقابة على البورصة المصرية. - خمسة من الخبراء الاقتصاديين الذين أعلنوا عن تصورات إيجابية للتعامل مع الأزمة الراهنة فى البلاد (أحمد النجار - صلاح جودة - شيرين القاضى - عبدالخالق فاروق - فخرى الفقى). الدستور الجديد، أخطر الإشكاليات الوطنية، والعودة إلى دستور 1971 خيار مطروح.. المماطلة فى إعلان الإخوان تنظيم إرهابى تحايل على أحكام القضاء، وخيانة للوطن.. تطهير مؤسسات الدولة على رأس الأولويات الوطنية.. ولا يقل عنها أهمية تعديل مسار الإعلام.. أما إحباط المخططات الدولية، فهو الطريق الوحيد للعبور من الأزمة إلى الأمل.. إدارة الدولة من خلال فكر وإدارة جماعية متخصصة هى محور مواجهة كل الإشكاليات، والتغلب على كل العقبات.. وتحديد الطريق الصحيح نحو مستقبل أفضل.