كثير من الناس يعتقدون أن العقل أو الضمير الواعى من الصفات التى تخص المخ فقط، وأن ما يشعر به القلب من أعراض تصاحب الانفعالات المختلفة مثل التوتر والقلق والفرح والحزن والحب والكراهية إنما هى فقط عبارة عن ردود أفعال لما يدور فى المخ ويحتويه دون أن يكون للقلب أى دور. وعلى مر العصور تمت الإشارة إلى القلب كمصدر، ليس فقط للإيمان والفضيلة والحب، ولكن أيضاً للحدس والذكاء والكتابة الملهمة. وهو أحد الموضوعات الأكثر انتشاراً فى التقاليد القديمة وفى كثير من الثقافات والحضارات القديمة، حيث يعتبر القلب هو الجهاز الرئيسى المسئول عن التأثير، وتوجيه عواطفنا، وقدرتنا على صنع القرار. وقد أشارت إليه الأديان المختلفة مثل اليهودية والمسيحية والإسلام، ومع ذلك، فإنه من المثير للاهتمام أننا نتجاهل أن القلب يبدأ فى النبض فى الجنين الذى لم يولد بعد فى حوالى الأسبوع السابع من الحمل قبل أن يتم تشكيل المخ أو الدماغ. واكتشف علماء الأعصاب الذين تخصصوا فى علم أعصاب القلب مؤخراً معلومات جديدة ومثيرة حول القلب الذى يجعلنا ندرك أنه أكثر تعقيداً بكثير مما كنا نتصور فى أى وقت مضى، فالقلب ليس مجرد مضخة للدم فقط -على الرغم من أهمية هذه الوظيفة- ولكن له نظامه العصبى الخاص المستقل، وهو نظام معقد ويشار إليه باصطلاح «مخ القلب» ويحتوى على أربعين إلى ستين ألف -على الأقل- من الخلايا العصبية (خلايا الأعصاب) فى القلب، بخلاف ما تم العثور عليه منها فى مختلف المراكز تحت القشرة المخية من الدماغ. ويتصل القلب مع الدماغ وبقية الجسم بثلاث طرق موثقة بأدلة علمية رصينة: 1 - عصبياً (من خلال بث النبضات العصبية)، 2 - كيميائياً (من خلال الهرمونات والنواقل العصبية)، 3 - فيزيائياً (من خلال موجات الضغط). وبالإضافة إلى ذلك، فهناك من الأدلة العلمية ما يشير إلى أن القلب يتواصل مع الدماغ والجسم بطريقة رابعة عن طريق الطاقة (من خلال تفاعلات المجال الكهرومغناطيسى للقلب). ومن خلال هذه الأنظمة لاتصالات القلب البيولوجية مع المخ وكل أعضاء الجسم التى تصلها نبضاته، يمتلك القلب تأثيراً كبيراً على وظائف المخ، وجميع وظائف وأجهزة الجسم، مما جعل العلماء يكتشفون أن قلوبنا قد تكون فى الواقع «القوة الذكية» أو «العقل» وراء تلك الأفكار البديهية، والمصدر الأساسى للمشاعر التى تعترينا ونشعر بها تجاه الآخرين، وربما يوضح ذلك ما ورد فى الآية الكريمة: قال تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِى الصُّدُورِ (46)» (الحج)، فالقلب كائن حى له سمع وبصر وفهم وفقه وفؤاد. وتتوالى الأبحاث العلمية الحديثة لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القلب شريك أساسى -ليس فقط فى كل هذه الانفعالات- ولكن أيضاً فى اتخاذ القرارات المختلفة بشأنها. وبالمقارنة بين المجال الكهرومغناطيسى لكل من القلب والمخ نجد أن المجال الكهربائى للقلب يفوق المجال الكهربائى للمخ بمقدار 60 مرة ويصل إلى كل خلية من خلايا جسمنا مع كل نبضة قلب، أما المجال المغناطيسى للقلب فهو يفوق المجال المغناطيسى للمخ بحوالى خمسمائة مرة (500 مرة) ويمكن أن يستقبل على بُعد عدة أقدام من الجسم بواسطة المقاييس المغناطيسية الحساسة. ولأن دقات القلب مستمرة طالما استمرت حياة الإنسان، فإن المجال الكهرومغناطيسى للقلب ينتقل إلى كل خلية من خلايا الجسم البشرى، بما فيها خلايا المخ أيضاً، وبالتالى فهناك تناغم فى الرتم، والطول الموجى، لكل من القلب والمخ لنفس الإنسان، ليس هذا فحسب، ولكن قد يحدث هذا التناغم الموجى بين إنسان وآخر، أو بين إنسان وحيوان، مما يخلق مشاعر معينة من التجاوب أو التنافر أو الحب أو الكراهية، مما يذكرنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»، وبالتالى فإن هناك أعراضاً خاصة بالدورة الدموية والجهاز العصبى اللاإرادى تصاحب هذه المشاعر مثل: زيادة عدد دقات القلب، وارتفاع ضغط الدم، واختلاف درجة حرارة الجسم والتنفس.