الدين هو أعظم السلطات على الإطلاق، إنه السلطة الموجودة داخل كل منا وهى لا تحتاج لقوات لفرض قوانينها، فالأفراد تنزل عند أحكامه وتخضع بقدر إيمانها. وهو السلطات السياسية مجتمعة داخل كل فرد.. القانون الذى يشرع لصاحبه الأخلاقيات والسلوك التى يسير على هداها ليكون صالحاً وهو القاضى الذى يجعل الشخص يحكم بنفسه على نفسه أمذنب أم غير مذنب، ثم ينفذ على نفسه العقاب إن أذنب، بإحساس داخلى بالذنب والعذاب وتأنيب الضمير والألم وقد يترجم إحساس الذنب فى صورة أعراض جسدية لا يدرى الشخص أسبابها، فضلاً عن خوف أشد من الله. ولأن الله سبحانه أعلم بقدرة دينه على السيطرة على النفوس لما يقدمه من حلول ومبادئ وعقاب ولأنه الأعلم بحاجة هذه النفوس الشديدة للدين لكى يساعدها على عذاباتها وفشلها وأسئلتها العصية فى الحياة، فقد قال تعالى «لست عليهم بمسيطر» لأنهم أساساً ضعفاء ومهزومون وآتون إليه حتماً دون ضرورة لسيطرة خارجية، هذه الحاجة الإنسانية للدين تتأكد بوجود عقائد لدى كل الشعوب، وحديث «لن يشادّ الدين أحد إلا غلبه» تأكيد لتلقائية ويسر الدين الذى هو فى ذاته سيطرة دون حاجة لمتشددين أو مسيطرين يؤكدون سطوته، ولأنه لا يكون ديناً وعقيدة فى النفوس إلا بالقناعة الخالصة به دون ضغط أو إكراه فقد قال سبحانه «لا إكراه فى الدين» واستنكر ما يتم فعله من ضغوط فقال سبحانه «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وذلك لأن ما ينتج عن هذا الضغط أياً كان من يمارسه لن يكون ديناً ولا إيماناً، وإنما درس محفوظ تحت ضغط وخوف وخجل وإكراه المكره «بكسر الراء»، ولذا يرى الشيخ محمد عبده أن أعلى سلطة فى الإسلام هى سلطة الحكمة والموعظة الحسنة فقط، وبالتالى فليس فى الإسلام سلطة إلا سماع الموعظة التى يختارها أفراد متحررون، لا تؤذى نفوسهم وبذا فإن مجرد الكلام الخشن أو اللوم إكراه لا ينتج مسلمين. ولأن للدين هذه السلطة الطاغية على قلوب الناس فقد سعى الحكام لربط أنفسهم به بأى شكل وبأية طريقة لإضافة سلطته لسلطتهم لاستمرارها، رغم أن السلطة وقوانينها تناقض الدين وأهدافه السامية، وقد أدرك أحد الحكام الأمويين هذا التناقض عندما جاءه خبر خلافته فأغلق المصحف الذى كان يقرأ فيه وقال: هذا آخر عهدى بك! وفى صلاة الجنازة على شهداء رفح من الجيش استغل رئيس الوزراء د. قنديل المناسبة وأمَّ المصلين رغم وجود خمسة على الأقل من شيوخ الأزهر حوله، إلا أنه تجاهل علمهم وعملهم، وعاد لدفتر الاستبداد القديم، وبدأ أول عهده بربط صورته وجماعته فى أذهان الناس بالدين؛ لضمان الولاء والسيطرة واكتساب قداسة الدين ومهابة السلطة معاً، وضمان سلطة فوق سلطة، وتقليص حرية الناس فى الاختيار باعتباره ممثل الدين! إلا أن المصريين الذين يفاجئون العالم دائماً لم تنطل عليهم إمامته للصلاة، وما أن انتهت حتى قذفه بعض المشاركين الرافضين لسياسته بالأحذية والحجارة. لا يمكن الضحك على المصريين بالجمع بين الدين والسياسة؛ لأن هذا الجمع هو إكراه فى الدين وإكراه فى السياسة، والذين ينتفعون من ذلك يجلبون الإهانة للدين ولأنفسهم من حيث يظنون الحصانة.