أثناء جلوسى مع بعض الأصدقاء سألتهم: إيه برنامجهم الإخبارى أو الحوارى المفضل؟ الرد جاء صادما بالنسبة لشخص يعمل فى الإعلام والصحافة. معظمهم لا يتابع البرامج الإخبارية ولا الحوارية اللى شاغلة القنوات الفضائية المصرية ليل ونهار. أصدقائى -مهندسين أو محاسبين- بيرجعوا بيوتهم منهكين من يوم طويل فى العمل، وصراع مع المرور حتى الوصول إلى البيت، وبالتالى القنوات الترفيهية هى التى تحتل المواقع أعلى القائمة المفضلة فى أجهزة الاستقبال الخاصة بهم، ولما يمسكوا الريموت كنترول بيتفرجوا يا إما على ماتشات كورة أو على أفلام ومسلسلات عربية وأجنبية. «أُمّال بتعرفوا اللى بيحصل فى البلد إزاى؟ عرفتوا اللى اتكتب فى مسودة الدستور؟»، ويكون الرد دائما إن لو فيه حاجة مستاهلة أكيد هتتحط على الفيس بوك، أو هنسمع عنها كلمة هنا وكلمة هناك. «الواحد مش ناقص يا على واللى فيه مكفيه. الشغل اليومين دول مبيرحمش، والبلد بقت صعبة كل يوم مشكلة أو مظاهرة تشد الأعصاب وإحنا اللى فينا مكفينا». فعلا فيه قطاعات كبيرة من المصريين دخلت الفقاعة مرة تانية وانعزلت عن اللى بيحصل فى مصر. بعد ثلاث سنوات من عدم الاستقرار السياسى، الناس لم تر تغييرا على الأرض يرضى طموحاتها وآمالها فى مستقبل أفضل وحياة كريمة، والجماهير بطبعها قليلة الصبر، سريعة الضجر، ومين يقدر يلومهم؟ هذه النزعة الانعزالية زادت ووصلت إلى أن بعض الأصدقاء صارحنى بأنهم مش ناويين ينزلوا يشاركوا فى التصويت على الدستور. رغم اقتناع معظمهم بأن هذا الدستور أفضل من سابقه، إلا أن سبب عزوفهم مش مواد الدستور: السبب من وجهة نظرهم هو أن «الدستور مش هيحل أزمة المرور ومش هيرخص مصاريف المدارس الخاصة المولعة..». لكن لو تأملت فى كلامهم على مهلك تقدر تقول إن سبب عزوفهم هو إن الصورة كلها مش واضحة قدامهم. فيه حالة من غياب الأمل أن نجاح العملية السياسية الحالية -بعد سنة من الآن- سيؤدى إلى تحقيق المستقبل اللى بيحلموا بيه. السياسيين الحاليين -سواء فى الحكومة أو فى المعارضة- عجزوا على مدار الشهور الماضية إنهم يرسموا صورة المستقبل المشرق اللى المصريين بيحلموا بيه، عجزوا عن إنهم يوصفوا للناس حياتهم بعد سنة من دلوقتى، بعد خمس سنين، بعد عشر سنين. هما بس بيطلبوا من الناس الصبر والتحمل. لم يستطع سياسيو مصر أن يوضحوا للشعب ما الطائل من طوابير الاقتراع، من العمل الشاق، من الضرائب التصاعدية، ومن العدالة الاجتماعية. محدش بيستدعى خيال الجماهير لحلم مشروع ومن حقهم، حلم فيه كل مصرى عنده بيت واسع فى شارع واسع مليان شجر، المصرى فى الحلم ده شخص محترم وعنده عمل مربح، وأسرة لن يقلق عليها من مصاريف العلاج أو الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة. السياسيون فى مصر ماسكين فى المصطلحات اللى متهمش المصرى فى حاجة، وسايبين الصورة والحلم اللى علشانه المصرى بيضحى بحياته فى هجرة غير مشروعة، أو بيضحى بفلوسه وعيلته ويهاجر لبلد تانية شايف فيها الحلم ممكن يتحول لحقيقة. اسألوا المصريين اللى واقفين قدام السفارات الغربية، رايحين البلاد دى ليه؟ هتسمع منهم تفاصيل الحلم المنشود. قبل أن تفاجأوا بقلة عدد المشاركين فى العملية السياسية المقبلة، صحوا الحلم فى صدور الناس علشان يكملوا معاكم الطريق، إدوا المصريين أمل علشان يقاوموا الخوف من المستقبل، ساعتها الشعب ده كله هيبنى البلد من غير كلل ولا ملل، مش علشان أى شعارات رنانة، ولكن لأن مصر إديته فرصة إنه يحلم ويشوف حلمه يتحول لحقيقة.