لا يدرى الحاج عبدالله، والد الشهيد باسم، بأى ذنب قُتل ابنه: «عاوز أعرف ابنى مات ليه»، هو ليس حزيناً على موته: «أنا والله مش زعلان، ده حتى مات شهيد.. بس نفسى أعرف هو مات ليه». باسم كان طيب القلب: «كان بيكلمنى كل يومين يسألنى لو محتاج أى حاجة، أصله كان حنين أوى»، وكان ودوداً بى: «كانت حياته كلها نضيفة، وعمره ما حاول حتى يزعلنى». علم الحاج عبدالله، عن طريق الصدفة، بما حدث فى رفح: «بتفرج على التليفزيون بعد الفطار شفت اللى حصل فى الأخبار».. كان رد الفعل الطبيعى لى محاولة الاطمئنان على ابنى، إلا أن والدته طمأنتنى: «ده لسه مكلمنى قبل الفطار على طول ما تقلقش». لم تنجح كلمات والدة باسم فى طمأنة أبيه، فأصر على الاتصال به ليطمئن عليه ليجد صوتا غريبا يتحدث إليه: «باسم استُشهد»، كلمتان سمعهما والد باسم ليصمت بعدهما، ويُلقى بالهاتف لتلتقطه زوجته، وتستمع لنفس الكلمتين، ليصاب الاثنان بحالة من الذهول، وعدم قبول ما سمعاه. بعدها «نزلت الشارع قعدت أتفرج على الأخبار. قلت أتأكد يمكن باسم مصاب وهما اتلغبطوا». كان الحاج عبدالله يُمنى نفسه بأن يكون ابنه ما زال على قيد الحياة، رغم أن زوج ابنته رانيا «أسامة»، تأكد من خبر الوفاة، إلا أنه لم يفضل أن يخبر الحاج عبدالله بذلك: «ضحك علىّ وقالى إحنا هنروح المستشفى نتأكد، بس قلبى كان حاسس إن كده خلاص ابنى راح». لتقدمه فى السن لم يستطع الحاج عبدالله أن يقف أمام بوابات مستشفى كوبرى القبة طويلاً. لكنه كان يتابع مع ابنه الأكبر «ياسر» ما يحدث أمام المستشفى: «لما الصبح اتأكدوا من الخبر اضطروا إنهم يقولولى، وأنا والله مش زعلان.. ده حتى مات شهيد». «دم ال16 شهيدا فى رقبتك أنت والمشير»، أول ما قاله الحاج عبدالله لسامى عنان، رئيس الأركان نائب رئيس المجلس العسكرى، أثناء تشييعه جثمان ابنه بمسجد آل رشدان. يعود الحاج عبدالله بالذاكرة لأيام، ويتذكر المرة الأخيرة التى رأى فيها ابنه منذ 10 أيام: «كعادته قعد يضحك معايا ومع والدته وسألنى لو كنت محتاج حاجة». لم يعقب الحاج عبدالله على وفاة باسم بأكثر من: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وأخذ فى وصف باسم: «باسم ده كان الفرخة بكشك بتاعة العيلة، وصورته كانت متعلقة فى كل بيت فى شبرا من حب الناس ليه»، وظل متعجباً من سبب وفاة ابنه حتى الآن: «أنا بس عاوز أعرف ابنى مات ليه». أما شقيقه «ياسر» فلم يصدق ما حدث لأخيه، وقف فى العزاء مذهولاً: «أنا سميت ابنى الصغير على اسمه؛ لأن باسم كان مش أخويا الصغير بس ده كان ابنى». كانت المرة الأخيرة التى تحدث فيها ياسر لأخيه باسم قبل وفاته بساعة: «اتصل يسلم على ابنى باسم، بس كان نايم فقاله: باى يا عمو عاوز أنام». استيقظ «ياسر» على هاتف من والدته فرد عليها، ليستمع لصوت منخفض: «البقاء لله.. أخوك مات»، لم يستوعب ياسر ما قالته والدته: «اتصلت على تليفون باسم رد علىّ زميله قالى: احتسب أخوك عند الله شهيد». انطلق ياسر بعد ذلك بحثاً عن الخبر المؤكد عن أخيه: «أكتر حاجة وجعتنى إنى مت مرتين؛ لأنهم كانوا بيقولولى شوية مات وشوية لا ده مصاب»، ذهب ياسر لوحدة حرس الحدود، لكنه لم يجد من يؤكد له خبر وفاة أخيه، فذهب لمستشفى كوبرى القبة العسكرى وظل هناك حتى ساعات الصباح الأولى من اليوم التالى، لتخبره إحدى القيادات داخل المستشفى أن جثة أخيه مع الشهداء.