أعرف وطأة حادث تفجير أوتوبيس الجنود المصريين فى منطقة الشيخ زويد على نفوس المصريين الذين أصابهم الكمد والحزن الشديد على ضحايا الحادث، خاصة أنها الجريمة الثالثة التى تستهدف مجموعات من جنود القوات المسلحة جاوز عددهم 60 شهيدا، تم اغتيالهم جميعا بأيدى تحالف بغيض، يضم عصابات التكفيريين والسلفية الجهادية وأنصار تنظيم القاعدة تقوده جماعة الإخوان المسلمين! وأعرف أيضاً حجم الغضب والكراهية الشديدة الذى تحصده جماعة الإخوان من غالبية الشعب المصرى، الذى لم يعد ينطلى عليه محاولات الجماعة التنصل من مسئولية ارتكاب هذه المجازر البشعة، ويثقون على نحو مطلق فى أن الجماعة هى أس الفساد وهى التى تخطط وتقود وتتآمر، وتستطيع أن تمنع هذه الجرائم فى غمضة عين، كما قال البلتاجى، لكنها لن تفعل لأن الجماعة، رغم الهزيمة الضخمة التى منيت بها إثر أحداث 30 يونيو، لا تزال تتصور وهماً أنها قادرة على استنزاف القوات المسلحة، وإلحاق الهزيمة بإرادة الشعب المصرى، وتفكيك أوصال الدولة المصرية وإسقاطها، واستعادة حكم مصر عنوة رغم أنف 80 مليون مصرى، لأن الغباء والحقد وإنكار الواقع لا يزال يعميها عن أن ترى الحقيقة ويدفعها إلى مصيرها المحتوم. وما ينبغى أن يعرفه كل مصرى أن الجماعة لم يعد يهمها الآن كراهية الشعب المتزايدة لها، ولم تعد تبالى كثيرا بانهيار مصداقيتها فى الشارع المصرى لأنها لا تزال تتصور أن فى وسعها أن تهزم إرادة الشعب المصرى، ما دامت تملك فيضا لا ينفد من أموال طائلة تأتى من قطر وتركيا ومن التنظيم الدولى للجماعة ومن معونات ورشاوى أمريكية سابقة، تمكنها من شراء أصوات كثير من المصريين يشكون الفقر والعوز، تدفع لهم الجماعة بسخاء بالغ كى يتحولوا إلى قوة شغب تثير الفوضى فى الشارع المصرى.. لكنها أضغاث أحلام كاذبة لأن الإرهاب مهما حالفه بعض الحظ، ونجح فى ارتكاب عدد من الجرائم الموجعة، لا يمكن أن يهزم إرادة شعب عرف طريقه، كما أنه لا يستطيع التعايش مع جبهة داخلية متراصة، تضم غالبية الشعب المصرى الساحقة وقواته المسلحة وأجهزة أمنه ومؤسسات الدولة كاملة ابتداء من القضاء إلى الإعلام، إضافة إلى غالبية مؤسسات المجتمع المدنى. وأكثر ما يقلق الآن أن تتسرب مشاعر الإحباط والقنوط إلى صفوف المصريين، لأن حكومة د.الببلاوى بطيئة أكثر مما ينبغى، لا تشفى غليل المصريين ولا ترد الصاع صاعين، تحسب أكثر من اللازم ردود أفعال الداخل والخارج، وينتظر بعض رجالها مصالحة مع الجماعة لن تتم، لأن الجماعة غارقة فى أوهام فجر كاذب، تتصور أنها سوف تكسر إرادة الشعب المصرى، بينما تتجاهل حكومة الببلاوى العبء النفسى المتزايد على الشعب الذى يكاد ينفجر غضبا فى وجه الحكومة، إن لم تتخلَّ عن حذرها البليد وتستجيب لإرادة شعب مصمم على كسر شوكة الإرهاب وهزيمته. وباختصار فإن المطلوب من حكومة الببلاوى أن تستجمع إرادتها السياسية فى موقف واضح لا يشوبه أى لبس، وأن تعرف على وجه اليقين أن جماعة الإخوان اختارت الإرهاب طريقا أوحدَ لتحقيق أهدافها المستحيلة، وأنها لا تريد المصالحة لأن المصالحة تدمر تنظيم الجماعة من الداخل، وتدفعه إلى التداعى تحت وطأة شروخ عميقة تجعله آيلا للسقوط تحاول الجماعة إخفاءها.. وما من طريق آخر أمام حكومة الببلاوى سوى أن تؤكد للشعب المصرى كل يوم قدرتها المتزايدة على تحقيق إنجازات سريعة مهما تكن متواضعة، تعطى للناس أملا جديدا فى إمكانية تحسين ظروف حياتهم، وتجعل جماعة الإخوان جزءا من زمن مضى تستحيل عودته! وإذا كان مكمن الخطر الأول على الجبهة الداخلية أن يتسرب إليها بعض مشاعر الإحباط والقنوط بسبب تباطؤ حكومة الببلاوى، وافتقادها رؤية واضحة شاملة تساعد مصر على الخروج من أزمتها، فإن مكمن الخطر الآخر فى استعداء جموع العمال والفلاحين فى توقيت خاطئ ودفعهم إلى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، لأن لجنة الخمسين تصورت أنها تستطيع بجرة قلم ومن خلال قرار مفاجئ أن تغير أوضاعا اجتماعية وسياسية استقرت لأكثر من خمسة عقود، دون حساب لآثارها السلبية على نسب الحضور فى الاستفتاء العام على مشروع الدستور الذى يجرى تصويره الآن على أنه يناهض حقوق العمال والفلاحين، ودون إدراك مسبق لعزم جماعة الإخوان المسلمين على استثمار هذا الموقف للتحريض على التصويت ب«لا» لمشروع دستور جيد ينطوى على عدد من الميزات المهمة للشعب المصرى، أبرزها مراعاة شروط العدالة الاجتماعية، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية، وتحقيق توازن عادل بين السلطات الثلاث، وعدم قيام أحزاب سياسية على أسس دينية، ومدنية الدولة القانونية الديمقراطية، وعدم استخدام دور العبادة للترويج لدعاوى حزبية وسياسية. ولأن نسبة الحضور العالية أمام صناديق الاستفتاء على مشروع الدستور سوف تكون علامة مهمة على طريق تحقيق إرادة الشعب المصرى، كما تشكل ضربة قوية لتحالف جماعة الإخوان مع السلفية الجهادية والتنظيمات التكفيرية وجماعة القاعدة، يحسن أن تعمل الدولة على إنهاء مشكلة لجنة الخمسين مع العمال والفلاحين فى أسرع وقت ممكن، بما يضمن زيادة نسب الحضور على مشروع الدستور الجديد عن نسب الحضور على دستور جماعة الإخوان الذى لن يجد له مكانا آخر بعد الاستفتاء القادم سوى مزبلة التاريخ.. وأكاد أجزم بأن خروج المصريين الكثيف يوم الاستفتاء على الدستور الجديد سوف يُخرس كل ألسنة الداخل والخارج، ويدفن دعاوى الانقلاب العسكرى تحت ركام النسيان، ويختصر نصف الطريق إلى هزيمة جماعة الإخوان، ويحاصرها فى دائرة أعداء الشعب، فضلا عن أن الحضور الكثيف أمام صناديق الاستفتاء سوف يفسد أى محاولات من جانب الجماعة لإثارة الفوضى، وترتيب أعمال شغب واسعة تفسد جلال اليوم وتجرح أمنه. ويزيد من أهمية حضور المصريين الكثيف يوم الاستفتاء أنه سوف يعزز مساندة الأمة العربية لمصر فى معركتها الفاصلة ضد الإرهاب الذى يهدد معظم أرجاء العالم العربى، كما يشكل نقطة تحول فاصلة فى مواقف القوى الخارجية من الحالة المصرية، تدفع الجميع بما فى ذلك الولاياتالمتحدة إلى مراجعة مواقفها، خاصة أن اتجاهات الريح الأمريكية، كما عبر عنها وزير الخارجية جون كيرى، تشير إلى أن الأمريكيين الذين أسقطوا قبل عدة أسابيع الرئيس المعزول من الاعتبار لأنه رئيس فاشل، تمثل نجاحه الوحيد فى استعداء غالبية شعبه، يتجهون الآن إلى إسقاط جماعة الإخوان ذاتها من حساباتهم السياسية، باعتبارها جماعة مضللة سرقت ثورة 25 يناير من أصحابها الحقيقيين، وعقدت تحالفا بغيضا مع القاعدة وتنظيمات التكفيريين، وأن ما حدث يوم 3 يوليو لم يكن انقلابا عسكريا ولكنه كان تصحيحا لسلسلة من الأخطاء المريعة ارتكبتها الجماعة، وعملا صائبا حمى مصر من حرب أهلية متوقعة، وأخذها إلى طريق جد مختلف، أكثر أمنا، تحدد ملامحه خارطة طريق واضحة المعالم تفتح أبواب الديمقراطية على مصاريعها أمام الشعب المصرى.