لا يمكنك أن تتجاهل سعى «السيسى» المحموم نحو الرئاسة حتى إن بدا ممتنعاً متمنعاً عن إظهار الرغبة، فطبائع الأشياء تقول إن لم ترَ غيرك فأنت لها، ولكن المشكلة ليست فى رغبة «السيسى» أو عدم رغبته، إنما فى استعداد الشعب ليضعه فى الاختبار السياسى ليحكم تسعين مليون بنى آدم يريدون منه الكثير، فهو عند المصريين مثل الشاب الحليوة الذى يتهافت عليه الجميع، ولكن عند الزواج، فهناك أمور أخرى تبدأ بالتزام الزوجية وأعبائها، حتى كيس الخضار والفاكهة و«بامبرز العيال»، إنها المسئولية التى تحتاج فعلاً لا قولاً معسولاً أو كلمات مثل «أد الدنيا وانتم نور عينيا»، تحتاج إلى برنامج ورؤية واضحة وليس إلى تطمينات خطابية عن الدولة والشعب، «السيسى» يحتاج إلى ظهير سياسى إذا أراد الترشّح، وإذا كان يبحث عنه بين القوى الحالية، فهى مسألة صعبة لأنك تبحث عن قوى بين الضعفاء، فالوفد «حزب الجنينة والقصر» لن تفلح محاولات إحيائه لأنه ميت إكلينيكياً وموضوع على أجهزة تنفس صناعى، وكذلك الأحزاب الجديدة ليست بالحضور المطلوب للبناء عليها، أما التيار الشعبى فهو «أفضل الوحشين» -رغم أنه يدور فى فلك حمدين صباحى- فى ظل قدرته على مخاطبة قطاعات واسعة عبر شعارات العدالة الاجتماعية والكرامة وميراث «عبدالناصر»، فى حين أن أحزاب الليبرالية الجديدة لم تراوح فنادق كورنيش النيل ومقراتها فى أحياء القاهرة الكبرى الراقية، إذن «السيسى» فى مأزق، فحتى إن أراد الاستناد إلى حركات شعبية مثل «تمرد» فهى لا تمثل سوى طارئ وقتى لا يستطيع أى سياسى البناء عليه للوصول إلى سلطة أو مقعد حكم، ومع السابق هناك قوى الفلول التى تتدثر بمصالح رأسمالية «مبارك»، ولديها شوق للعودة، لكنها فى تصورى ستكون الدبة التى قتلت صاحبها وقتلت نفسها لأن الزمان تغيّر ولن يعود، حتى إن اكتملت عناصره، ومعها الغرض المختلط بالمرض، يبقى الرهان على حزب الكنبة الذى يمثل قطاعاً واسعاً من الشعب ويتحرك بالحنين إلى الماضى، حتى إن كان زمن «مبارك» السيئ، لديه عشق ل«السيسى» بالبدلة، فى حين يتغير مزاجه مثل مرتادى المقاهى، فاليوم «الدومينو» و«الطاولة» كانتا مسليتين، فى حين أنهما فى يوم آخر غاية فى الملل ويبعثان على الضجر، حزب الكنبة ليس قوة منظمة أو جماعة ضغط، بل سائحون شعبيون لم يتحركوا إلا عند الإحساس بالخطر وعند استدعائهم مرة أخرى لن تكون النتائج كما ينبغى، فهم يتحركون بمنطق: نحن نهب مرة واحدة أو اثنتين، وقمنا بواجبنا فى يونيو ويوليو 2013، ولن نعاود حراكنا إلا بعد الاختبارات للجميع، فقد أزحنا ظلام الإخوان، ولن نصبر على ظلام حياتنا وأكل عيشنا!». المعادلة أمام «السيسى» صعبة، فبدون الظهير سيصبح حاكماً فى قصره بمفرده دون طبقة سياسية تمنحه تأييداً أو مساندة أو دعماً، حتى إن كان النظام رئاسياً، وفى حال كونه برلمانياً، فالصورة ستكون أكثر قسوة وتفاصيلها متشابكة معقدة، «السيسى» لا بد أن يُظهر توجهاً يتصالح مع المستقبل ويحدد مواقفه من الليبرالية الأمريكية الجديدة التى عبّر عنها سمير أمين فى حواره مع «الوطن» وأيضا أسئلة كثيرة من الاقتصاد حتى توجهات الدولة المصرية ومعضلات الخروج من قوقعة التبعية لواشنطن، ومعها برنامج سياسى يتماس مع مشكلاتنا بواقعية دونما طنطنة وشعارات، لقد ظلمنا «السيسى» بالإلحاح عليه، ونتمنى ألا يظلم نفسه، لأن الأبطال يسقطون فى آبار فشلهم حتى إن أنجزوا شيئاً لشعوبهم فى مستويات أخرى، فمن «بونابرت» إلى «تشرشل» قصص عن مساحات الإنجاز فى مقابل مساحات الإخفاق والنهايات دائماً قاسية مثل البدايات!!