فى احتفالات أكتوبر هذا العام، كرر الفريق أول عبدالفتاح السيسى عبارته الأثيرة: «مصر أم الدنيا.. وهتبقى أد الدنيا»، وأضاف: «أنا عاوز الصغيرين يفتكروا الكلام ده»، وكان يقصد بذلك الأجيال الجديدة التى تستمع إلى هذا الكلام والتى ستنعم فى المستقبل بمصر الجديدة التى ستصبح «أد الدنيا». إنه حلم مشروع من المؤكد أننا جميعاً نشارك «الفريق» فيه، ونثق فى أن مصر تستحقه. ولعلك تلاحظ حالة الطرب التى تنتاب المصريين وهم يسمعون هذه العبارة التى يرددها الفريق السيسى، بسبب روائح الأمل التى تنبعث منها. إنها روائح الأمل التى لا يعكر من صفوها سوى الروائح التى تنبعث من أكوام «الزبالة» التى أصبحت تشكل خريطة شوارع «المحروسة». تلك الأكوام التى تجعل المواطن الحليم حيران وهو يسمع العبارة الحلم «مصر أد الدنيا»، فكيف يمكن أن تنجح الدولة العاجزة عن التخلص من «القمامة» فى أن تصبح «أد الدنيا»؟ الإجابة عند الرجل «العسكرى»، أقصد اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، الذى وعد بالتخلص من القمامة داخل «أم الدنيا» خلال ثلاثة أسابيع.. وهو كلام جميل.. حبذا لو ينفذ! والتوجس من قدرة الوزير على الوفاء بوعده ترتبط بتجاربنا السابقة؛ فقد سمعنا كلاماً شبيها خلال فترة حكم المعزول محمد مرسى، حين دعت الجماعة (المحظورة حالياً والحاكمة آنذاك) المواطنين إلى التسلح ب«المقشات» كى يتولوا تنظيف الشوارع أو الحوارى أو الأزقة التى يعيشون فيها حتى تصبح مصر أجمل وأنظف. بعدها فوجئنا بمجموعة من «الدقون» تنزل إلى الشوارع وتنتشر فيها كى تعطى المواطن المثل والقدوة، وكان من بينها «دقون» لمشاهير طاردتهم وسائل الإعلام بعدساتها وكاميراتها، وما إن انتهى التصوير حتى «رجع أبوك عند أخوك»، ومن صمد من الدقون المجاهدة فى جمع «الزبالة» نسى أن «الزبالة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم». فما أسرع ما تراكمت تلالها من جديد، بعد ساعات قليلة من التخلص من الجبال التى تعرضت لعوامل التعرية والنحر ب«مقشات» المخلصين ل«المعزول». أنا أقدر ظروف المسئولين الذين يتعاملون مع مواطن غزير الإنتاج على مستوى «الزبالة» دون أن يأبه أو يهتم. وهو بصراحة معذور فى ذلك؛ لأن الحكومة تحصل منه على إتاوة شهرية -ضمن فاتورة الكهرباء- تتراوح بين 4 و16 جنيها، وقد تزيد على ذلك فى بعض الأماكن «الهاى» أو بالمحال التجارية، نظير جمع «الزبالة». وإذا كانت الحكومة «مش شايفة شغلها» فهذا ليس ذنب المواطن الذى يدفع لها شهرياً، بل ذنبها، خصوصاً أنها تعتمد على عمال نظافة فهموا اللعبة جيداً فتركوا مسألة «التنضيف» كما تركتها حكومة «أم الدنيا»، وتفرغوا لجمع الحسنات من السيارات التى تمرق عبر الشوارع حتى يتمكنوا من سد احتياجاتهم التى لا يعجز عن سدها المرتب الضئيل الذى يحصلون عليه.. أستطيع أن أتنسم مع المصريين روائح الأمل بأن مصر سوف تصبح «أد الدنيا» كما يقول «السيسى» بشرط اختفاء رائحة «الزبالة».. والكرة فى ملعب وزير التنمية المحلية!