أخرج أبوداود والترمذى وحسَّنه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِم: الصَّلاَةُ، قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلاَئِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِى صَلاَةِ عَبْدِى أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئاً قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِى فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ». إنها فرصة كبيرة فى هذا الشهر الكريم، أن نُكثر من النوافل، وبخاصة قيام الليل، فهو دأب الصالحين، ومقربة إلى الله، ومجلبة للرزق. وقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامَاً مَّحْمُوداً﴾ (الإسراء: 79). فقَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فقَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً» (أخرجه البخارى)، فإذا كان النبى العظيم صلى الله عليه وسلم وهو الذى عند ربه بالمقام الأعلى يقوم بهذه النوافل؛ فما بالنا نحن المقصرين الضعفاء؟ لا ريب أنه قد مرت بكل منا أوقات قصَّر فيها فترك بعض الطاعات، أو أداها على غير وجهها، ولم يُكتب له من الأجر فيها إلا بقدر ما عقل منها، فقد أخرج أحمد بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّى الصَّلاَةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا»، وفى رواية قَالَ: «مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّى الصَّلاَةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّى النِّصْفَ وَالثُّلُثَ وَالرُّبُعَ وَالْخُمُسَ»، حَتَّى بَلَغَ الْعُشُرَ. ومن ثَمَّ فإن أمامنا فرصة فى هذا الشهر، وقد بقى أكثر من نصفه، أن نكثر من نوافل الصلوات والصدقات؛ وبذلك نعوِّض ما حصل منا من تقصير أو قصور فى بعض الطاعات، وهى فرصة أن نكثر من الذكر والاستغفار وقراءة القرآن فى هذا الشهر، وأن نستدرك ما فات قبل أن تنفضَّ سوق الخير فيندم من يندم، وفى الحديث: «مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ، وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِيهِ فَمَتَى يُغْفَرُ لَهُ؟». فيا من قصَّر فى التراويح أدرِكْ نفسك، ويا من قصَّر فى الوِرْد القرآنى أدرِكْ نفسَك، ويا من تسعى لعِتْق رقبتك من النار لا يزال أمامك وقتٌ لاستدراك ما فات، فهل تغتنم الفرصة؟