لا يمكن أن نتصور كم المآسى فى المساجد ووزارة الأوقاف فى عهد غير المأسوف عليه طلعت عفيفى، ودوره فى هدم معالم المنهج الأزهرى، ومحاولته استيراد هويات وسمات غريبة وزرعها فى المساجد، ثم يلفّق على الناس فى كل مناسبة بادعائه أنه أزهرى المنهج، وأزعم أن ما فعله من خراب فاق ما فعلته حاشية مبارك فى ثلاثين سنة، لأن خراب غير المأسوف عليه طلعت عفيفى كان فكرياً ممنهجاً بعناية، وأما خراب الثانى فمادى فقط. فى المقابل فإن الدكتور مختار جمعة يبذل جهداً كبيراً لمعالجة أثر غير المأسوف عليه، منها قراره الجرىء بقصر الخطابة على الأزهريين فقط، وحظر الحديث عن قيادات الجيش، بعد أن شهدنا فترة تحولت فيها المنابر إلى وصلات من الردح والسب، استغل فيها بعض الخطباء مزية التزام المصلين بالإنصات أثناء الخطبة ليُفرغوا غضبهم على المنابر، من هنا فإننى أشيد بقرارات الوزير ومجهوداته ومنهجه الأزهرى، مع إبداء عدة ملاحظات: 1- من غير اللائق أن يخرج هذا القرار كخبر فى الإعلام فيثير شكوكاً وتساؤلات، بل كان الأجدر خروج الوزير فى مؤتمر صحفى يصاغ فيه بيان مستوف وبدقة لتوضيح أن القرار نابع للحفاظ على وسطية الإسلام وسماحته، ولحماية الوطن من الفتن، والمنبر من الصراعات السياسية، ولاحترام المنهجية والتخصص، والقضاء على عشوائية بناء المفاهيم والمقاصد التى سكنت مكانها الأفكار المنفعلة العشوائية. 2- يعلن الوزير أن هذا القرار كمرحلة أولى، يليه مرحلة ثانية، يتم فيها استثناء غير الأزهريين من غير المتشددين، وإبعاد الأزهريين المتشددين، ويكون المقياس هو سلامة المنهج من التشدد والتزمت، وبالتالى يمكن الاستفادة من غير الأزهريين تخرجاً، لكنهم أزهريون منهجاً ومشرباً، وإبعاد الأزهريين تخرجاً ما داموا غير أزهريين منهجاً ومشرباً. 3- قرار الوزير بحظر سب الجيش المصرى وقياداته على المنابر يجب أن يشمل أيضاً حظر مدح الجيش وقياداته، ويحاسب الإمام المادح للجيش والقادح سواء؛ لأن كليهما استخدم المنبر فى دعم توجهات سياسية بعينها، يُستثنى من ذلك مثلاً الإشادة بدور الجيش فى القضاء على الإرهاب فى سيناء، والدعوة للحفاظ على مؤسسات الدولة، والحض على نبذ العنف، فمثل هذا على المنبر واجب دينى ووطنى وليس محظوراً. 4- كما يُحظر على الإمام التسويق لفعاليات الإخوان، فإنه يُحظر عليه بالمثل الهجوم على الإخوان، وكلاهما مخالفة تستحق العتاب ثم العقاب، ذلك لأن من قال على المنبر: (تظاهروا ضد السيسى قاتل الساجدين) لا يقل فتنة عن زميله الذى قال: (شكراً للسيسى الذى قضى على الإخوان الإرهابيين). 5- فى غمرة اهتمام الوزير بالحفاظ على المنهج الأزهرى يجب عليه بالتوازى والسرعة القضاء على الوساطة والمفسدين والمرتشين بالوزارة، وهم كثر، واتخاذ خطوات ناجزة حقيقية نحو تحسين رواتب الأئمة. 6- يجب أن يفرق الوزير بين انتماء الإمام الأيديولوجى خارج المسجد، وبين أن ينتقل انتماؤه للمنبر، فالأول مباح؛ لأنه حرية، والثانى محظور؛ لاستغلال المنبر لتوجهه الخاص. 7- على الوزير أو مساعديه بيان أن المقصود بقرار منع السياسة على المنابر ليس عزل الإمام عن الحياة وقضايا الأمة، بل المقصود ترشيد هذا الاستخدام، حتى لا يصبح المنبر جزءاً من التنافسات والاستقطابات السياسية والأيديولوجية. 8- يجب على الوزير أن يوضح معالم المنهج الأزهرى وينشرها ويرسلها للمساجد والإدارات، حتى يتعرف كل الخطباء على سمات المنهج، وتصير هذه السمات جزءاً من ثقافة المواطن نفسه، يميز بها أزهرى الشهادة من أزهرى المشرب والمنهج، دون أن يسقط تحت إغراء شهرة دعاة الفضائيات، ولا إغراء أزهريين ارتباطهم بالأزهر فى العمامة والشهادة وليس المنهج والمشرب.