فى الثانية عشرة ظهر يوم الأحد الماضى (15 سبتمبر) كنت ضمن رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة التى لبّت دعوة الرئيس عدلى منصور للالتقاء به فى «قصر العربية». هذا الاجتماع كان فى الواقع تتويجاً لمجموعة من اللقاءات التى عقدها المستشار الإعلامى للرئيس، أحمد المسلمانى مع كل من تلك الأحزاب والقوى السياسية. وبالمناسبة، فإن المسلمانى، هو تلميذ وأخ عزيز لى منذ ما يقرب من عشرين عاماً، عندما كان باحثاً فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ومساهماً فى إعداد التقرير الاستراتيجى العربى الذى كان يصدر فى ذلك الحين عن المركز، فضلاً عن إسهاماته بالكتابة فى مجلة السياسة الدولية وقت رئاستى لتحريرها. وكان المسلمانى باحثاً متميزاً، وطموحاً.. درج فى السنوات الأخيرة على تقديم برنامجه التليفزيونى «الطبعة الأولى» قبل أن يختاره الرئيس منصور مستشاراً إعلامياً له، فكان -فى تقديرى- اختياراً موفقاً للغاية. إن ذلك يعنى أن اللقاء رُتِّب له بإتقان، حيث كانت لدى الرئيس فكرة ومعلومات أساسية عن الحاضرين وآرائهم واتجاهاتهم. وتلك -بذاتها- نقطة إيجابية لا يمكن إغفالها، ونحن نتحدث عن أسلوب «علمى» فى الأداء السياسى، نأمل أن يسود كل المؤسسات المصرية. الحاضرون فى الاجتماع كانوا هم ممثلى الأحزاب الرئيسية فى مصر (الوفد، التجمع، الناصرى، الجبهة الديمقراطية، المصريون الأحرار، المصرى الديمقراطى الاجتماعى، الدستور، التيار الشعبى، التحالف الشعبى الاشتراكى، المؤتمر، حزب مصر، النور)، وكذلك كان هناك ممثلون ل(الشبان المسلمين)، وحركة تمرد، وقبائل سيناء. كما شهد الاجتماع السفير إيهاب بدوى، وأحمد المسلمانى. فإذا كانت الملحوظة الأولى على هذا اللقاء هى «حسن الأعداد» والتحضير الجاد والموضوعى له، فإن الملحوظة الثانية تتعلق، بلا شك، بالرئيس عدلى منصور ذاته. فقد تولى الرئيس منصور منصبه بناء على ترتيبات خارطة المستقبل بعد ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو ضد الحكم الإخوانى. ووفقاً للبندين الثانى والثالث للخريطة يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا خلال المرحلة الانتقالية، وبعد أداء اليمين أمام المحكمة، إدارة شئون البلاد لحين انتخاب رئيس جديد. وقد شاءت الأقدار أن يكون المستشار عدلى منصور، وفقاً لنظام المحكمة الدستورية، هو المنوط به رئاسة المحكمة بدءاً من 30 يونيو 2013 خلفاً للمستشار الجليل ماهر البحيرى! ولأن 30 يونيو كان هو ذاته يوم الثورة، فقد أضحى المستشار عدلى منصور هو الرئيس المؤقت للجمهورية! ولا أمانع كثيراً عندما أقول إن القدر كان كريماً وسخياً مع مصر وشعبها وثورتها بتولى المستشار منصور لتلك المهمة الصعبة، فى لحظات شديدة الحساسية والحسم فى تاريخها المعاصر! فقد بدا المستشار منصور «كرجل دولة» بالمعنى الرفيع للكلمة، كما أضاف إلى مهابته كقاضٍ سام، إلماماً واسعاً وتفهُّماً للقضايا التى أثيرت فى النقاش، وعندما رجعت إلى سيرته الشخصية أدركت سبب ذلك، وهو أنه طوال مسار عمله القضائى فى مجلس الدولة والمحكمة الدستورية، عمل فى أقسام الفتوى والتشريع فى العديد من الوزارات والهيئات مثل: وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالى، والخارجية، والأوقاف والصحة والشئون الاجتماعية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، فضلاً عن المجلس القومى للبحوث، والأزهر، والإصلاح الزراعى! الموضوعات التى أثيرت فى الاجتماع عكست القضايا السياسية والاجتماعية التى تشغل الرأى العام المصرى بشكل عام، والنخبة السياسية بشكل خاص، وشملت: النظام الانتخابى، ونقد أداء الحكومة الحالية، والعدالة الاجتماعية، ومشكلات خلط الدين بالسياسة، واحترام حقوق الإنسان، ومشكلات العنف ضد الأقباط خاصة فى بعض مناطق صعيد مصر، فضلاً عن قضية سيناء. المفاضلة بين نظامى الانتخاب بالقائمة، والانتخاب الفردى استغرقت وقتاً طويلاً، فالحريصون على دعم الأحزاب والنظام الحزبى انحازوا بالطبع إلى الانتخاب بالقائمة، فى حين شدد الآخرون -ولهم الحق- على تعود الناخب المصرى على النظام الفردى، فضلاً عما يمكن أن تُحدثه القائمة من تسلل نوعيات فاسدة إلى عناصرها. ومع ذلك، فإن الحجة الأقوى للمدافعين عن القائمة هى ضمان التمثيل العادل للمرأة والأقباط والشباب، فى ظل صعوبة تحقق ذلك من خلال النظام الفردى. من ناحية ثانية، بدا واضحاً من ملاحظات معظم المتحدثين عدم الرضا عن أداء الحكومة الحالية التى رأى الكثيرون أنها لا تعبّر عن أهداف وقيم ثورتى 25 يناير و30 يونيو. وبدا ذلك الانتقاد واضحاً خاصة لدى المنادين بأهمية تحقيق العدالة الاجتماعية خاصة حمدين صباحى الذى دعا الحكومة إلى أن تتخلى عن المناهج التقليدية أو حتى الأكاديمية فى التعامل مع تلك القضية باعتبار أنها تمثل اليوم ضرورة حيوية للغالبية العظمى من الشعب المصرى، التى تتطلع إلى حلول ثورية غير مألوفة للوفاء بمطالب العدالة الاجتماعية لملايين الفقراء من الشعب المصرى. وكان من المهم أيضاً أن حظيت مشكلة الخلط بين الدين والسياسة أو بين «الدعوى» والسياسى باهتمام عدد من الحاضرين -ومنهم كاتب هذه السطور- باعتبار أنها أدت (كما أثبتت تجربة عام من حكم الإخوان) إلى تأثيرات وخيمة العواقب على السلم الاجتماعى والوحدة الوطنية. وتحدث البعض -خاصة أ. عبدالغفار شكر، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، عن المخاوف من عودة ممارسات «الدولة البوليسية»، ودعاه الرئيس منصور للاهتمام بذلك الموضوع فى إطار عمل المجلس. وفى هذا السياق نبّه ممثل الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى (د. حنا جريس) -ضمن حديثه- إلى معاناة أقباط مصر فى بعض مناطق الصعيد (وكما بدا واضحاً فى قرية دلجا بمحافظة المنيا) من ممارسات إجرامية من عناصر إخوانية أو متأسلمة متطرفة ضد العائلات المسيحية، والكنائس، بما فى ذلك جرائم التهجير وحرق الكنائس! أيضاً كان من الطبيعى تماماً أن تحظى أوضاع سيناء باهتمام عدد كبير من المتحدثين والذين رأوا أن الحل الجذرى لا يتمثل فقط فى تطهير سيناء تماماً من الجماعات الإرهابية والمتطرفة (وهو العمل الذى يقوم به الجيش المصرى بكل إصرار وبسالة) وإنما فى الشروع فى تنمية سيناء، وإتاحة كافة الفرص لسكانها من خلال توفير كافة الخدمات الضرورية كحقوق أساسية لهم كمواطنين مصريين. وبالنسبة لى، كنت مهتماً بالتنبيه إلى أن مصر، وقد أنجزت ثورتين عظيمتين فى وقت قياسى، عليها أن تستكمل مهام هاتين الثورتين فى إحداث تغيير جذرى فى المجتمع المصرى، وبدون ذلك فسوف يظل ما حدث فى مصر مجرد «انتفاضتين» سياسيتين، لا أكثر. وبعبارة أخرى، فإن هناك حاجة «لتثوير» العمل السياسى الراهن فى مصر، ليتحول إلى طاقة كبيرة لحل مشكلات مصر الجسيمة، والمشينة؛ بدءاً من «الأمية» و«القذارة» و«الارتباك المرورى» وحتى تحقيق الأمن، والإرساء الجاد والصارم لدولة القانون والعدل الاجتماعى. وبدون تلك الخطوات، لن يليق أبداً وصف «الثورة» بما حدث لمصرنا العزيزة!