كثيراً ما تنقلنا الرائحة لذكريات وأحداث معينة بعيدة، كذلك يفعل المكان، تنقلنا جدرانه، وتفاصيله المختلفة إلى ذكريات، نظن أنها ضلت الطريق ولن ترجع، لكننا نسترجعها مرة أخرى إذا صادفنا المكان، وكل حسب ذكرياته، محل جروبى الشهير، المطل على ميدان طلعت حرب، الذى تناولته كثير من الأفلام العربية القديمة، كان ملتقى الأغنياء. لوحة الفسيفساء على واجهة المحل كما هى لم تتغير، كذلك كثير من التفاصيل، المكان محتفظ بطابعه إلى حد كبير. الحمام فى أسفل المكان، عندما تنزل السلم الدائرى المميز، «الدرابزين» النحاسى القديم ينقلك إلى البدروم، كل مفردة بالمكان لها خصوصية، حتى إن اختلفت عن الماضى. فى هذا «المطرح» البعض يكتب ما يشاء، مثل حائط الفيس بوك، هناك أسرار وإعلانات، آراء سياسية واجتماعية. على باب حمام السيدات بمحل جروبى الشهير، واحدة تطلب القصاص للشهداء، وسقوط المجلس العسكرى، أخرى على النقيض تماماً، ترى الحياة عبثية، ليس لها قيمة «نعيش أو نموت، المهم التمتع باللحظة» إعلان عن منتجات لفرد الشعر، فترد عليها امرأة، وتصف صاحبة هذا الإعلان، بأنها خطيرة وتأخذ السيدات إلى الرجال وتقبض الثمن، وتحذر ألا ينخدع بها أحد، لكيلا يصبح مثلها فى طريق الضياع، فترد صاحبة الإعلان عليها بكلام لا يصلح للنشر، وإعلان آخر عن فرص تمثيل واكتشاف الوجوه الجديدة، وبقلم رسم العيون الثقيل «الكُحل» تكتب أخرى بأنها تحتاج لكثير من الرجال وتترك رقم الموبايل لمن يرغب من الرجال، لكن السؤال هنا: كيف سيدخل الرجال حمام السيدات؟ وعندما تخرج من الحمام تجد أحواض غسيل الأيدى، وبدلاً من الصابونة العادية، يوجد طبق صغير به قليل من الصابون السائل. يحتاج المكان لتجديد، لكن مع المحافظة على طابعه الأصلى، منذ حوالى أكثر من 15 عاماً، كان يوجد فى الحمام تليفون بعملة خاصة، غرفة صغيرة، رف رخامى قديم، كان يوجد عليه التليفون، وهو مميز جداً، قد لا يوجد بمكان آخر فى مصر، تمت إزالته وتحولت الغرفة الصغيرة إلى مخزن. عم خليل زخارى المسئول عن نظافة الحمامات، كان منذ 42 سنة يعمل فى جروبى بفروعه المختلفة، لكن منذ 12 سنة تقريباً،أصبح مسئولاً عن حمام جروبى طلعت حرب، يقول: «أول ما جيت هنا، كنت مش مبسوط، كنت قبل أن أمسك الحمامات أبيع حلويات ومصاصة، وقهوة، فكنت زعلان، لكن بعد فترة بسيطة حبيت المكان جداً، وهناك كثير من الناس يسألون عنى، ومن هنا على القبر»، رأى الكثير، وعرف الكثير لكنه يرفض الكلام عن «أسرار الشغل»، أصبح زخارى جزءاً من المكان له أصدقاء وأحباب عرفهم من خلال حمام جروبى، فإن لم تجده يوماً، تشعر أن المكان ينقصه شىء.