انتقل الصراع السياسى الدائر بين أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى ومناوئيه إلى ساحات المساجد، فى العاصمة وفى غيرها من المحافظات، حتى أضحى لكل فريق منابره التى يبرر من خلالها موقفه ويحشد جموع مؤيديه عندها، كما أضحت خطب المساجد ودروسها ذات صبغة سياسية. فى سوهاج، يفرض أنصار الإخوان المسلمين سيطرتهم على بعض المساجد فى المدن والقرى المحيطة بها.. «الوطن» قضت يوماً كاملاً فى مسجد الصحابة، الشهير بمسجد الأرقم، أكبر المساجد التى تسيطر عليها الجماعة وأنصارها وتنقل لكم تفاصيله. فى أحد شوارع حى «الأرقم» يقع مسجد الصحابة التابع فى الأصل لوزارة الأوقاف منذ تأسيسه عام 1415ه الموافق 1995م، تعامدت الشمس على سطح المسجد الذى رفع مؤذنه أذان الظهر، أعداد المصلين قليلة. انقضت الصلاة وانصرف بعض المصلين، بينما كوّن آخرون حلقات صغيرة من فردين إلى خمسة أفراد للتباحث فى أمور السياسة الداخلية والخارجية، وفى أمور أخرى شخصية.. جماعة من المصلين تطرقوا إلى أزمة سوريا الراهنة والتهديدات الأمريكية التى نالت اهتمام الصحف ووسائل الإعلام العربية والعالمية، «هو طلع هدد وبعدين لا حس ولا خبر»، مشيرين إلى باراك أوباما، الرئيس الأمريكى.. «بشار غلط غلطة صدام».. «الشيعة أخطر على المسلمين من أمريكا».. تلك هى الجمل الأبرز التى تكلم بها المتناقشون. شيئاً فشيئاً هدأ المسجد وخلا إلا من نور الشمس الذى يخترق الأبواب المفتوحة إلى قلب المسجد. فى منطقة الأرقم، حيث يقع مسجد الصحابة أو «مسجد الأرقم»، يختفى الزى الصعيدى المعتاد.. فبدلاً من العمامة البيضاء والجلباب السميك والوجه الحليق يرتدى الرجال من ذوى اللحى الكثة جلابيب قصيرة، فيحل القميص والبنطال أو الجلباب القصير الأبيض محل الجلباب الصعيدى، والسيدات فى حى الأرقم إما مختمرات وإما منتقبات، فى حين تتراجع أعداد «السافرات» المنتشرات فى بقية منطقة سوهاج. إبرام فايز، أحد سكان المنطقة، يشير إلى أن «أغلب سكان المنطقة من مؤيدى الإخوان المسلمين؛ نظراً لأن المنطقة فيها مدارس إسلامية، وقبل ما الإخوان حتى يوصلوا للحكم كانوا مسيطرين على الجامع؛ لأنه موجود فى منطقة هم متركزين فيها». بين العصر والمغرب دخل المسجد العشرات فامتلأت صالته بالمصلين والقارئين للقرآن إلى أن خفتت الأنوار مع دخول المغرب، أقيمت الصلاة بعدما سلم الإمام دار حديث بين اثنين من المصلين حول الدور الجديد الذى لعبه قادة الجيش فى الحياة السياسية فقال الأول: «دخول الجيش فى السياسة معناه إضعاف للاثنين: الجيش والسياسة».. وقبل أن يؤذن المؤذن لصلاة العشاء كانت الحلقة التى ضمت فى البدء شخصين اثنين قد انفضت وبها سبعة. تطرقوا إلى مستقبل الإخوان المسلمين الذى صار «مجهولا» بعدما شنت السلطات حملات اعتقالات فى جميع المحافظات ومن بينها سوهاج نفسها. مسجد الصحابة ضمن 106 ألف مسجد يتبع وزارة الأوقاف، ورغم تلك التبعية فالمسجد يُعتبر كذلك من أهم نقاط التجمع والاحتشاد لدى جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها فى مدينة سوهاج، كما أن الخطب التى تُلقى فى أروقته لا تكون إلا منحازة تماماً إلى مواقف الإخوان المسلمين، بحسب إبرام فايز، المواطن المسيحى القاطن بالقرب من المسجد، الذى يقول: «من قبل عزل مرسى والإخوان ينظمون مؤتمراتهم قدام المسجد وبداخله.. مرة لتأييد الدستور، ومرة ضد حكم بشار الأسد فى سوريا، ومرة مع حكم مرسى فى مصر، ومرة ضد حركة تمرد، ومرة لعودة مرسى للحكم.. وهذا إلى جانب خطب الجمعة التحريضية وتكون كل يوم أو كل عدة أيام بين المغرب والعشاء أو بعد العشاء.. وهذه الخطب كانت تتناول موقف النصارى ودورهم فى ثورة 30 يونيو واستمرت هذه الرسائل حتى انتهى الحال بإحراق كنيسة مارجرجس، مطرانية سوهاج، بسبب التحريض ضد الأقباط». بعدما فرغ المصلون من صلاة العشاء، انتظر كثيرون فى أماكنهم حتى يلتقط أحد الخطباء «الميكروفون» كى يلقى فيهم خطبة من الخطب المعتادة.. لم يلتقف أحدهم الميكروفون، بعضهم بدأ بالانصراف بعدما بدا أنه قد تم إلغاء الخطبة، خصوصاً أن المنطقة كانت قد شهدت مداهمة من جانب الشرطة لأسباب غير معروفة تماماً.. دقائق بعد صلاة العشاء هى كل ما احتاجه بعض المصلين لتشكيل حلقة للنقاش فيما بينهم. هذه الحلقة ما لبثت أن انفضت عندما صاح فى أفرادها عجوز فى السبعين من عمره ممسكاً عصاه التى يتكئ عليها مستنكراً بسؤاله: «مش نُفضّنا من السياسة ونخلى المسجد لذكر الله؟».