منازل أشبه بالأكواخ المهجورة منخفضة الأسقف، مبنية بالطوب «النى»، أمامها يجلس رجال ونساء من كبار السن، بعضهم يضع أمامه إناء من الخوص يبيع فيه البلح والفريك، أسراب الذباب دليل من يدخل إلى القرية لا يتركه لحين الخروج منها، شوارعها الضيقة تزدحم بالعربات «الكارو» الخشبية، لا يوجد غيرها لنقل الركاب ومستلزماتهم مع حيواناتهم الصغيرة، ونسبة الجهل بها تقترب من 95%، سكانها يعلمون أن قريتهم تم إدراجها كأفقر قرية فى مصر طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2012، وبالرغم من ذلك لا يزال سكان قرية «شقلقيل» التابعة لمركز أبنوب فى انتظار الوعود الكثيرة التى أطلقها المسئولون الذين زاروها أو تحدثوا عنها أمام كاميرات الفضائيات، تلك القرية التى تبعد 20 كيلومترا فقط عن مدينة أسيوط، ويسكنها حوالى 12 ألف نسمة بلا خدمات عامة. «البلد كلها فيها مدرسة واحدة نصها واقع، بنخاف تقع على العيال، وبتفضل طول السنة مقفولة عشان ما حدش بيودى عياله المدارس»، يروى محمد منصور، مزارع (45 سنة)، حكاية نقص الخدمات فى القرية التى يعيش فيها فيقول «إن سكان القرية معدومون فى كل المجالات، الخدمات العامة غير متوفرة، والحالة الصحية لهم سيئة جداً وغالبيتهم مصابون بأمراض معدية، الكل يعتمد على الزراعة، ولكن نقص مياه الرى يربك حسابات الجميع.. إحنا حالنا زى بتوع الصومال وأكتر شوية، بس هاتقول لمين؟». حمادة عباس، طبيب الوحدة الصحية بقرية بنى محمد المجاورة ل«شقلقيل»، يقول: «لا توجد خدمات طبية بالقرية نظراً لعدم وجود وحدة صحية بها، وغالبية سكانها مصابون بأمراض معدية وخطيرة، يأتى على رأسها فيروس (سى)وأمراض الكلى الناتجة عن شرب المياه الملوثة، ونقوم بتحويل عشرات الحالات المصابة إلى مستشفى أسيوط العام، ولكن غالبيتهم يرفضون الذهاب بسبب صعوبة المواصلات وارتفاع أجرتها، ويفضلون البقاء فى منازلهم دون علاج». وجوه بائسة صفراء اللون، أجساد نحيفة وملابس قديمة مهلهلة، أرجل اخترقتها الشقوق، ورؤوس انتشر بها الشعر الأبيض بالرغم من صغر سن أصحابها: «عندى عيلين شغالين بالأجرة وجوزى ميت والفلوس اللى بتدخل دارنا مابتكفيناش عيش حاف» تجلس روض فرج حسين (65 سنة) داخل منزلها الصغير الذى لا تتجاوز مساحته عدة أمتار موزعة على غرفة نوم واحدة وطرقة صغيرة وحمام ضيق، تعيش بداخله على «لمبة جاز» لعدم مقدرتها على سداد مصروفات توصيل الكهرباء، الأمر الذى يتسبب لها فى متاعب عديدة يومية حيث تقول «لم يعد بإمكاننا تحمل صعوبات الحياة التى تواجهنا، فنحن نعيش بلا كهرباء أو مياه شرب نظيفة، أو خدمات صحية، وليس لنا دخل ثابت نستعين به فى مواجهة ضغوط الحياة»، تواصل «لو كان علىّ أنا ممكن أعدى الأيام اللى فاضلة لى فى الدنيا بأى حاجة، بس خايفة على ولادى اللى مش عارفة أجوز منهم حد علشان مش لاقيين ناكل». أما شوقى عبدالسميع، الذى يعتمد على مبلغ المائة جنيه قيمة معاش السادات فى تدبير شئون حياته بعد أن أرهقه العمل بالأجرة وتقاعد فى منزله، فيقول: «اضطريت أشغل عيالى الخمسة بالأجرة علشان ناكل ونشرب بعد ما خرجتهم كلهم من التعليم». حياة الرجل الخمسينى البائسة -على حد قوله- تستلزم تدخل المسئولين فى محافظة أسيوط لعلاجه من عدة أمراض لحقت به، منها «انزلاق غضروفى»، و«فيروس سى»، و«توقف فى وظائف الكلى». لم يختلف الأمر كثيرا فى قرية «التتالية» التابعة لمركز القوصية بمحافظة أسيوط، والتى تم إدراجها ضمن قائمة القرى الأكثر فقراً فى المحافظة؛ فالقرية التى تمتد لحوالى 4 آلاف فدان، ويسكنها نحو 25 ألف مواطن، منهم نحو 7 آلاف لهم حق التصويت الانتخابى، يشكو أهلها بدورهم من انعدام الخدمات المعيشية، والفقر، وانتشار الأمراض. حسن علوان، عمدة القرية ورئيس اللجنة الشعبية بها، قال: «التتالية بها أزمات عديدة لأنها تعد من أفقر قرى أسيوط، خاصة مشكلات التعليم والصحة والتموين، فبالنسبة للتعليم لدينا مدرسة ابتدائية تعمل فترتين ومعهد دينى ومدرسة إعدادية تعمل لفترتين، ولدينا مدرسة ابتدائية أخرى سعينا لإنشائها لكن افتتاحها مُعطّل بسبب تقاعس الحكومة عن تركيب محبس مياه لتوصيل المياه للمدرسة، ولا يوجد لدينا أى مدارس ثانوية ولا مدارس فنية صناعية أو زراعية أو تجارية، مع العلم أن كثافة التلاميذ تصل إلى 80 تلميذا فى الفصل الواحد، لذا فالتعليم عندنا متراجع بشدة». ويطالب أهالى قرية التتالية بوحدة صحية داخل القرية لكن دون ردّ، بحسب علوان عمدة القرية، الذى يضيف: «أقرب وحدة صحية لدينا فى قرية عرب التتالية على بعد حوالى 3 كيلومترات، رغم أن قرية عرب التتالية أصغر مساحة وتعداداً من قريتنا، والسيدات الحوامل عندنا يضطررن للانتقال إلى مدينة القوصية أو مدينة منفلوط بسبب عدم وجود تجهيزات كافية فى عرب التتالية، الأمر الذى يستلزم دفع مبلغ 50 جنيهاً ثمن استئجار سيارة للذهاب إليها». بحسب عمدة التتالية، فإن القرية أُدرجت ضمن القرى المحرومة التى تحتاج إلى مدّ شبكة الصرف الصحى: «لكننا لم نرَ تركيب أى شبكة صرف، رغم أن الحكومة مدت شبكة الصرف فى القرى المحيطة بنا مثل المنشأة وغيرها، والحجة عدم وجود موارد، وحتى الآن نعتمد على البيّارات التى تُجمع فيها مخلفات صرف المنازل ويتم كسحها بواسطة سيارات خاصة نتحمل كافة تكاليفها (حوالى 300 جنيه شهرياً لكل بيارة).. يعنى بيوتنا عايمة فوق المجارى». يقول جمعة ثابت، أحد أعضاء اللجنة الشعبية بالقرية: «الاهتمام بالصحة لا بد منه بسبب انتشار الأمراض بشكل كبير فى التتالية، ومشكلات المياه التى تسببت فى إصابة كثيرين بفيروس الكبد الوبائى (سى) وبالفشل الكلوى، فى الوقت الذى لا توجد فيه أى وحدات غسيل كلوى بالقرب من القرية فيضطر مريض الكلى لقطع أكثر من 25 كيلو كل يومين للغسيل فى أقرب وحدة بالقوصية». وأكد حسين نصر -محام من أبناء القرية- أن وسائل المواصلات تعد العائق الأكبر فى «التتالية» حيث إنها قليلة جداً وغير مريحة ونقطع مسافة من 20 إلى 25 كيلو من التتالية إلى القوصية أو إلى منفلوط بصعوبة بالغة، بالإضافة لاستغلال السائقين للركاب بشكل يومى فيضاعفون أجرة الركوب بدون مبرر، لو اضطررت للانتقال للقوصية أو منفلوط بعد الظهر. أزمات التموين تضرب هى الأخرى قرية التتالية الواقعة غرب مركز القوصية، فبحسب ما يقوله حسين نصر فإن «القرية تعانى بشدة من أزمة الخبز الذى لا يغطى كل مواطنى القرية ففى حين يصل تعداد السكان فى القرية إلى 25 ألف مواطن، فإن حصة القرية من الدقيق تكفى فقط لإنتاج 12 ألف رغيف خبز بواقع أقل من نصف رغيف لكل مواطن، حاولنا منذ فترة مطالبة الحكومة برفع حصة الدقيق لكن الحكومة أيام حكم الإخوان كانت تشترط أن نعتمد على أحد أعضاء الإخوان فى الحصول على حصة الدقيق وزيادة إنتاجية القرية من الخبز، وكانت القرية تعانى كذلك من نقص حصة أنابيب البوتاجاز حتى تمكنت اللجان الشعبية من الحصول على حصة وأزمة الأنابيب بدأت تنفرج فى التتالية».