شىء ما تغير فينا، وفى مصر.. شىء ما لا يجعلنا نفرح زى زمان.. نضحك زى زمان.. نحلم زى زمان. همّ ثقيل نزل على قلوبنا.. اغتال براءة الكثيرين.. كبر أطفالنا معه حتى صاروا فى مثل عمرنا تقريباً، بينما تعبت الروح لدرجة الانهيار، ولم تجد معها -حتى الآن- أى طبطبة. أنزل إلى وسط البلد.. يا الله، لم تكن كذلك. شارع طلعت حرب محتل بالكامل.. بلطجية ومسجلون خطر يسيطرون على الشارع، وأمناء شرطة يعودون لأخذ الاصطباحة، ومرور مهلهل، وتحرشات بالجملة، ومحطات مترو أصبحت كالخرابات نتنة الرائحة والحوائط، مظلمة، معتمة، تصيبك بطاقة سلبية لم تعتَد عليها. حتى رمسيس.. بائع الكبدة والسجق الذى كنت تشترى منه السندويتشات الرخيصة، ومحل عصير القصب الشهير، والفوتومونتاج الذى يجرى أمام عينيك للترام الذى كان يعبر من هناك فى طريقه للتحرير الذى لا أعرف من فيه، ولا أشعر أنه سيعود كما كان أبداً. أهرب من مقالات السياسة، ومن الاتهامات والمزايدات، وأشاهد الكرتون مع أولادى، وأتابع مباريات الكرة العالمية، دون فائدة.. عطبت الروح، وما زلت أبحث عن «ست الحسن». أكاد أبكى، لكن طبطبة بهاء جاهين فى قصيدته الرائعة «ست الحسن» التى يبحث عنها هو الآخر منذ زمن تؤجل بكائى إلى حين، وتجعلنى أكتفى بوجع القلب. يقول «عم بهاء» المظلوم والمهضوم حقه، والباحث معنا عن «ست الحسن»: قابلينى يوم فى أول المنيل فى خمسة سبتمبر سنة تلاتين قابلينى تحت الرَبْع فى القلعة فى جامع السلطان حسن شمعة وفى الرفاعى مقام وناس مساكين أنا مش هاقول لك حددى لى معاد قابلينى صدفة واحنا متخاصمين فى السيدة زينب فى حارة جاد أو ستة شارع ساقية الطواحين قابلينى فى البرج اللى تحت البير قابلينى فى الأحلام وفى الطوابير فى إسكندرية وشندويل وشبين قابلينى فى محطة فراق القطر قابلينى فى مصحة لقا المجانين عارفك أنا.. مش بالشَبَه بالعطر مسك الحسين وروايح البساتين ملح البيوت اللى أكلها البحر ريحة سحالى الأرض والجعارين * * * قابلينى عند وزارة الصحة واشفينى من ريحة الدوا قابلينى فى نَفَس الهوا واشفينى م الكحة قابلينى عند تقاطع الألفى وعماد الدين شَحَّاتة فى إشارة المرور بتبيعى مناديل الورق وياسين قابلينى فى الشبورة فى دولاب الهدوم وأنا ببكى فى الملايات وفى الفساتين أنا من زمان وأنا بفتح الجرانين وبَتُوه من العناوين أنا من زمان وأنا بفتح المنْدل ما بشوفش غير مَنْزل أنا من زمان وأنا بفتح الكوتشينة واقرا تنوة الفناجين ما بشوفش غير شارع لا بيوَصَّل ولا باقابلك فيه * * * قابلينى بين الخُرس والمعاتيه قابلينى فى الخيشة اللى فى الجردل قابلينى فى الحزن اللى عارفك بيه أنا يا صبية مانيش بتاع أفراح ولا قصر م الحواديت وبهو سفيه أنا من هنا.. من شارع السَيَّالة فواعلى طوب واقع من السقَّالة بترجَّى فيكى وانتى مش سامعة قابلينى يوم جمعة بعد الصلاة، وخدينى ع النقالة وارمينى وسط الشحاتين العُمى يمكن أشوف وشك عجيب الضى اللى لا شافه إنس ولا عفريت يا وش ست الحسن فى الحواديت