خصصت الحكومة 22 مليار جنيه للإنفاق على الخدمات والمشروعات الجديدة، فى إطار سياسة تقوم على التوسع فى الإنفاق الاجتماعى بهدف امتصاص جزء من البطالة والحد من الفقر وزيادة الطلب فى السوق وتحقيق انتعاش اقتصادى. والسؤال الأساسى هنا هو هل تستطيع هذه السياسات معالجة أوجه الخلل فى الاقتصاد المصرى، فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الشعب المصرى بعد تنفيذ سياسات التكيف الهيكلى، وساءت أحوال الطبقة الوسطى والعمال وفقراء الفلاحين والنساء، ولم يعُد من الممكن إشباع الحاجات الأساسية لهذه الفئات، وتخلت الدولة عن مسئوليتها فى توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين بتوقفها عن دعم الفئات الضعيفة فى المجتمع وتوفير السلع الضرورية والخدمات الأساسية بأسعار مناسبة، ما أدى إلى العديد من المشاكل، على رأسها: أولاً: افتقاد العدالة فى توزيع الدخل القومى واتساع الفوارق بين الدخول؛ حيث انخفض نصيب الأجور من الناتج المحلى الإجمالى من 50% فى منتصف السبعينات فأصبح 26% فى بداية التسعينات، وهو الآن أقل من ربع الناتج المحلى الإجمالى. ويقدر البنك الدولى الانخفاض فى متوسط الأجور الحقيقى فى القطاع الصناعى بنسبة 40%. كما أن نصيب أدنى 40% من الأشخاص من الدخل فى مصر لا يزيد على 19%، وقد بلغت أجور الأسر الفقيرة 17% من إجمالى الأجور، فى حين أنها تزيد على 50% من إجمالى الأسر فى مصر. ثانياً: انتشار الفقر؛ تشير الإحصائيات، من مصادر متعددة كالبنك الدولى وتقارير التنمية البشرية والدراسات الأكاديمية فى الجامعات المصرية، إلى انتشار الفقر بمعدلات واسعة نتيجة لتطبيق سياسات التكيف الهيكلى، حيث تزايد الفقراء فى الحضر من 33.5% سنة 81/1982 إلى 39% سنة 91/1992 إلى 45% سنة 95/1996، وتزايد الفقراء فى الريف فى نفس الفترة من 26.5% إلى 39.2% إلى 51%، ويدخل فى عداد الفقراء، طبقاً لهذه الإحصائيات، الذين ينفقون على الطعام الضرورى للوفاء بالحد الأدنى من احتياجات الفرد من السعرات الحرارية ومن البروتينات. ويدخل فى عداد الفقراء الفئات المهمشة الذين لا يستوعبهم الاقتصاد الرسمى ويعيشون فى مناطق عشوائية حول المدن الكبرى محرومين من الخدمات الأساسية ومن ضرورات الحياة. ثالثاً: اتساع نطاق البطالة؛ لا توجد فرص عمل حقيقية تكفى لاستيعاب المواطنين الذين يصلون إلى سن العمل سنوياً ويبلغ عددهم 900 ألف تقريباً، بينما لا تزيد فرص العمل المتاحة على 250 ألفاً سنوياً، ونتيجة لذلك يبلغ عدد العاطلين فى مصر حوالى ثلاثة ملايين شاب، معظمهم فى سن الشباب من المتعلمين، أى بنسبة تزيد على 10% من قوة العمل فى مصر، ويضاف إليهم شريحة من عمال القطاع العام الذين يحالون إلى المعاش المبكر قبل سن التقاعد فى إطار سياسة الخصخصة، ويصل عددهم إلى 25% من عمال القطاع العام. رابعاً: تآكل الطبقة الوسطى؛ تأثرت مستويات المعيشة فى المناطق الحضرية بدرجة أكبر من تأثيرها فى المناطق الريفية، ونتيجة لذلك تعانى الفئات الوسطى من إفقار نسبى متزايد يؤدى إلى تآكل أوضاع المراتب الدنيا منها وانحدارها إلى مراتب المسحوقين اقتصادياً، وتأتى معاناتها من خلال سياسات تحرير الأسعار وتخفيض الدعم على السلع التموينية، ورفع أسعار شرائح استهلاك الكهرباء، ورفع أسعار المواصلات العامة والخاصة، ورفع أسعار الخدمات الطبية، وتحريك إيجار المساكن، وتصفية مجانية التعليم الثانوى والجامعى. خامساً: أثر التحولات الاقتصادية على المرأة؛ أدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة إلى تعرض المرأة لضغوط مختلفة، حيث تضاءلت فرصها فى العمل نتيجة لازدياد معدلات البطالة، كما لوحظ حدوث مزيد من تهميش النساء الفقيرات وظاهرة تأنيث الفقر، حيث تعول النساء 20% من الأسر المعيشية، وتزداد خطورة ظاهرة تشغيل الأطفال دون السن القانونية، وقد تبين أن غالبية العاملين فى القطاع غير الرسمى الذين لا يتمتعون بحقوق مستقرة، ولا يحصلون على أجور عادلة هم من النساء، وهناك أيضاً تمييز ضد المرأة فى التعليم، حيث لا تتساوى الفرص المتاحة للإناث مع الفرص المتاحة للذكور، وتتراجع نسبة الفتيات فى التعليم مع المراحل الأعلى، حيث تبلغ نسبة الإناث إلى مجموع الطلاب فى المرحلة الابتدائية 42% والمرحلة الثانوية 39% وما بعد الثانوى 34%.ومن الواضح أن هذه المشكلات تتطلب لمعالجتها سياسات أوسع من مجرد التوسع فى الإنفاق العام، وهذا ما ننتظره من الحكومة فى الفترة القادمة.