1- زنط الأكاذيب طوال الأسبوع الماضى لفّ رجل اسمه «الزنط» على فضائيات عديدة، يقدم نفسه باسم الخبير الأمنى، يحذر من مؤامرات غربية تستهدف الدولة المصرية منذ سنوات، تصدى لها مبارك «لأنه كان رجلاً وطنياً وإن كان مشروع التوريث وكبر السن لم يساعداه على التصدى للفساد فى أواخر عهده، فتغلغل الأجانب وتسللت المؤامرات منذ أحداث يناير»، ولم ينسَ الزنط أن ينسب للبرادعى دوراً فى تلك المؤامرة، محذراً من إقدام الأخير على تشكيل حكومة ظل فى الخارج، بالتعاون مع الإخوان. ما يعيده ويزيده «الزنط» هو نفسه ما ردده كائن للتهريج الإعلامى فى دكانته الإعلامية الخاصة اسمه توفيق عكاشة، أو محام بذىء لا يملك من أسلحة السياسة إلا الطعن فى أعراض الثوار، ولا ينفصل عن خطاب كائنات أخرى كانت مساندة لنظام مبارك بالقول والفعل وكتابة التقارير، ثم عادت تعتلى المنابر الآن بعد تخلص مصر من فاشية الإخوان. خطاب «ائتلاف المخبرين الجدد»، محدد الأطروحات، فهو مرن للدرجة التى يسب فيها مبارك، لكن لا يسب نظامه، ينسب كل سوءات عصر الرئيس المخلوع لابنه ورجال الأعمال النهمين للنفوذ فى عهده، ويصر على أن الثورة ضده كانت مجرد «أحداث» مخططة فى الخارج ونفذها الإخوان بحرق أقسام الشرطة، وتهريب المساجين. هذا الخطاب العائد بعد ثلاثين يونيو يتجاهل أن مؤسسات فى الدولة شاركت السقوط مع مبارك، ومنها داخلية حبيب العادلى (التى ثمّنها الزنط عام 2007 وقال إنها تتعرض لمؤامرات مشبوهة من منظمات حقوق الإنسان). كما يتجاهل أن الشعب المصرى شارك فى أكبر حفلة فى التاريخ ليلة تنحى مبارك، وأن خطاب الفلول ذاته فى مرحلة ما بعد خلع مبارك تبنى مقولة أن الإخوان التحقوا بالثورة متأخراً، وسرقوها من الشباب. 2- مكسب عودة الفلول عودة القوى التقليدية التى كانت تساند مبارك للحياة السياسية ليست شراً، فهم قطاع اجتماعى يملك الحشد والتأثير كقادة رأى ونفوذ لا يستهان بهم، ودمجهم (على أجندة ثورة يناير) يكسبها قوة برأيى، لأن التاريخ يقول إن الثورات التى تقصر الحقوق والمكتسبات على فريق واحد مهما كان نبل أهدافه تنتهى باستبداد، الثورة الكوبية التى قادها كاسترو وجيفارا انتهت بتوريث واستبداد، والإيرانية انتهت بثيوقراطية بغيضة، واستيعاب أكبر قدر من المجتمع فى اللعبة الديمقراطية يضمن نجاحها. لكن الشر أن تكون العودة الفلولية على أجندة الدولة القديمة التى رسخها مبارك بأجهزة قمعه، وماكينات التزوير والتلويث، واحتكار الثروة والسلطة. مشكلة الثورة مع الإخوانية كانت هذه النقطة؛ أنهم حولوها لثورة إخوانية تضمن أكبر قدر من المغانم للجماعة، واستبعدوا شركاءهم وخصومهم على السواء، وفى تلك اللحظة فإن إقصاء الإخوان ليس لأنهم يحملون فكراً إخوانياً بل لأنهم تنظيم سرى، يتناقض مع فكرة الدولة، ويصر على الابتعاد عن أعينها الرقابية. أرادوها ثورة على أجندة التنظيم مثلما يريد قطاع من صقور الفلول الآن تحويل الموجة الثورية فى 30 يونيو إلى موجة على باترون مبارك. استيعاب الفلول ممن لم يتورطوا فى جرائم واعترفوا بثورة يناير ضرورى مثله مثل استيعاب الإسلام السياسى هو الآخر على (أجندة الثورة والدولة الحديثة)، كلاهما سيكون مكسباً آخر لثورة يناير. 3- قانون الإنكار نحن الآن أمام أربع قوى فى الشارع السياسى هى: مؤسسات صلبة للدولة تملك القوة، وثوار مدنيون قال عنهم الباحث اللامع أحمد فهمى إنهم يملكون الشرعية الأخلاقية، وفلول يملكون الحشد والتأثير، ومناصرون للإسلام السياسى. ثورة يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو، أثبتتا لكل قوة أن التعايش على أجندة الدولة الحديثة، هو السبيل للانتقال الديمقراطى الآمن، طبيعى أن كل قوة تملك أوراقاً للضغط، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وتتضمن الأوراق إطلالات إعلامية، وأموالاً وتحالفات. على سبيل المثال ليست صدفة أن تقود شخصيات بعينها الهجوم على البرادعى وتتهمه بالخيانة، ثم تكتشف أن ذات المنابر بنفس الشخصيات هى التى تتساءل عن موعد عودة الفريق شفيق لمصر، ثم تكتشف أيضاً أن المتناقشين كانوا أعضاء فى حملة الفريق الرئاسية وقيادات فى حزبه، أو محامين يدافعون عنه فى المحاكم. هذه أوراق ضغط صقور نظام مبارك القديم، بأدواته التقليدية: التلويث والتخوين ومساندة القبضة الأمنية ودفعها للعودة لممارسات الماضى. وماذا تملك الثورة؟ الثورة تملك أوراقاً عظيمة للضغط، فرموزها هم من يمنحون الغطاء الثورى لما حدث فى أواخر يونيو وينزعون قناع الانقلاب، وهم من أعادوا الكيانات التقليدية للحياة، صحيح أن انسحاب البرادعى أضعف موقفهم فى شراكة الحكم، لكن بإمكانهم الضغط بطرح قانون يجبر شركاءهم من أنصار الدولة القديمة على الاعتراف بمنجزات ثورة يناير، على غرار «قانون معاقبة إنكار الهولوكست فى أوروبا، أو قانون إنكار مذابح الأرمن فى فرنسا، أو قانون معاقبة من ينكر قتل الخمير الحمر فى كمبوديا لملايين البشر». الفلول يملكون المرونة، وسيعرفون أن ضغط الثورة كفيل بإعادتهم للنسيان مرة أخرى، (الزنط مثلاً وصف مرسى عام 2012 بأنه سيصبح زعيماً ويملك مفاتيح ذلك، ثم كرر الكلام ذاته بحق السيسى وقال إنه زعيم يغير مصائر الأمم). هذه المرونة تراها مثلاً فى تحالف رجال الأعمال مع نظام مرسى، بالإسراع للانضمام لجمعية حسن مالك «ابدأ». لا سبيل أمام الثورة إلا ممارسة الضغط، وتوحُّد أنصارها، والديمقراطية قادرة على استيعاب الجميع، ولفظ من يهدم الملعب على رؤوس اللاعبين.