اليوم، انطلاق امتحانات الدور الثاني لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي    الهلال الأحمر المصري يوثق حركة شاحنات المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة (فيديو)    حريق هائل بمركز تجاري شهير في "قائمشهر" وسط إيران (فيديو)    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    "الداخلية" تكشف حقيقة احتجاز ضابط في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة (إنفوجراف)    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    عامل يعيد 3 هواتف مفقودة داخل نادٍ بالإسماعيلية ويرفض المكافأة    الحبس وغرامة تصل ل2 مليون جنيه عقوبة تسبب منتج فى تعريض حياة المستهلك للخطر    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لأكثر من 65 مليار دولار سنويًا لمواجهة الحرب مع روسيا    عيار 21 الآن بعد آخر تراجع في أسعار الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025    «أغلى عملة في العالم».. سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه اليوم السبت 26 يوليو 2025    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    أسعار الفراخ اليوم السبت 26-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    القانون يحدد ضوابط العمل بالتخليص الجمركى.. تعرف عليها    رسميا خلال ساعات.. فتح باب التظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025 (الرسوم والخطوات)    بسبب راغب علامة.. نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد طارق الشناوي    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    ما أجمل أن تبدأ يومك بهذا الدعاء.. أدعية الفجر المستجابة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    5 طرق بسيطة لتعطير دولاب ملابسك.. خليه منعش طول الوقت    عقب إعلان ماكرون.. نواب ووزراء بريطانيون يطالبون ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطين    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    ليلة تامر حسني في مهرجان العلمين.. افتتاح الحفل العالمي بميدلى وسط هتاف الجماهير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    ياليل يالعين.. الشامي يبدع في ثاني حفلات مهرجان العلمين 2025    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤامرة المستحيلة.. نظام حكم «مباركى» بقناع «ثورى»
نشر في الوطن يوم 24 - 08 - 2013

قرار الإفراج عن «مبارك» صدر، ووضعه تحت الإقامة الجبرية لن يغير فى الواقع شيئاً.. المشهد الآن آخذ فى التبلور، والرؤية تبدو أكثر وضوحاً بعد بضعة أسابيع من الضبابية والغموض، فالسلطة المؤقتة تتجه بخطى حثيثة نحو بناء نظام جديد «ثورى» الشكل «مباركى» المضمون، تستهدف من خلاله تقديم ما يمكن وصفه -بلغة الحوسبة والحواسيب- ب«إصدار جديد من نظام مبارك»، يُحيى مجموعة الأفكار الأساسية التى قام عليها نظام حكم «المخلوع»، مع تطعيمه ببعض «الرتوش الثورية» الشكلية التى تمنحه قبولاً ولو مظهرياً لدى الثوار.
ويستند سيناريو «الإصدار الجديد لنظام مبارك» على 4 مرتكزات أساسية: أولها المرتكز الرمزى المتمثل فى الإفراج عن حسنى مبارك، والمرتكز الدستورى المتمثل فى التعديلات المقترحة على دستور 2012 المعطل، والمرتكز الأمنى المتمثل فى استعادة الهيبة المفقودة لجهاز الشرطة، والمرتكز الخارجى ويتعلق بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل دفعها إلى التناغم مع فكرة وجود نظام حكم جديد -بعد 30 يونيو- شبيه بنظام «مبارك».
تلك هى معالم السيناريو الأربعة، ولكن هل يمكن أن ينجح أصحابه فى الوصول به إلى نهايته، وإملائه على الواقع المصرى الجديد الذى تشكل بعد ثورة يناير بموجاتها المتعددة؟ المؤكد أن أصحاب «الإصدار الجديد من نظام مبارك» يطلبون مستحيلاً، وقد فعلها «مرسى» وجماعته من قبل فباء بغضب من الشعب، والأرجح أن تتشابه حظوظ الفريقين على مستوى النهاية المتوقعة. سأشرح لك كيف، لكن دعنا نبدأ بشرح مشاهد هذا السيناريو. ولنبدأ بأكثرها درامية، والمتمثل فى مشهد الإفراج عن مبارك.
مبارك خارج الحدث والزمن
مبارك كإنسان أصبح بقايا، أو بالتعبير المصرى الشعبى: «عضم فى قفة»، لكنه يُعد بالنسبة ل«فلول» نظامه رمزاً وفكرة. رمز لنظام قامت ضده ثورة 25 يناير، وفكرة تتبلور حولها فلسفة حكم يرتكز على آلة بوليسية قمعية تستخدم كل طاقتها فى إسكات أصوات معارضى النظام، وإعلام مضلِّل يلعب بالبيضة والحجر لخداع الجماهير، ورجال أعمال يحتكرون كل احتياجات المواطن، حتى الماء والهواء، ورجال سياسة يعملون بمنطق السماسرة والمنتفعين الذين يراكمون الثروات الحرام من خلال التحالف مع رأس المال. إنها الفكرة المقيتة للحكم التى قامت ضدها ثورة 25 يناير.
وجود مبارك داخل أو خارج السجن مسألة لا تعنى الكثير، فقد أصبح خارج الحدث والزمن، لكن الإفراج عنه حالياً يعنى الكثير بالنسبة لفلول حكمه الذين يديرون البلاد الآن من وراء ستار. فأغلبهم يظن ظناً آثماً أن خروج المخلوع من السجن فى هذا التوقيت على وجه الخصوص يعنى كتابة شهادة وفاة ثورة يناير. فقبل 30 يونيو كانت الأصوات الفلولية تطنطن بالحديث عن ثورة يناير التى سرقها الإخوان، وتعاير الثوار بأنهم قاموا بالثورة ليسلموا الحكم إلى الإخوان على طبق من فضة. وقد نزل ثوار يناير وشاركوا فى 30 يونيو، مدفوعين فى ذلك بعدة أسباب: أولها الإيمان بتنكُّر الإخوان لأهداف ثورة يناير، وثانيها الفشل المبين ل«مرسى» فى إدارة شئون البلاد، وثالثها الثقة فى أن الجيش المصرى الذى تعلقت الآمال بتدخُّله فى المشهد لا يعمل لحساب فصيل معين، سواء تمثل هذا الفصيل فى الإخوان أو فلول نظام المخلوع. نزل الثوار وهم يعلمون أن فلول نظام «مبارك» معهم فى الشارع، قناعة منهم بأن الخصم الإخوانى ليس بالسهل، وليس بمقدورهم إسقاطه بمفردهم، وهو نفس الإحساس الذى سيطر على الفلول، ولولا ذلك لمنعوا «مرسى» والجماعة من الوصول إلى الحكم منذ 30 يونيو 2012، لكنهم لم يفعلوا ذلك يومها، ليس خوفاً من الإخوان، بل رعباً من الثوار الذين لم يكن لدى أى منهم استعداد لقبول فكرة وصول مرشح الفلول الفريق «أحمد شفيق» إلى الحكم.
عقب الإطاحة بالإخوان فى 30 يونيو هرول الفلول إلى توظيف أدواتهم فى محو ثورة 25 يناير من الوجدان المصرى الشعبى، من خلال خطاب إعلامى يؤكد على أن ما حدث فى 30 يونيو هو الثورة الحقيقية، وليس موجة من موجات الثورة كما يؤمن أصحاب ثورة يناير، وبدأت الترتيبات تجرى على قدم وساق، من أجل تدشين عودة نظام المخلوع فى ثوب جديد، وكان من الضرورى أن يكون مشهد الافتتاح «زفة رمزية» كبرى، تتمثل فى الإفراج عن الرئيس الذى قامت ثورة يناير ضده!
التحصين ضد الثورات
تمثل المقترحات الأخيرة التى قدمتها لجنة «العشرة» على دستور 2012 المعطل المرتكز الدستورى الذى تتأسس عليه كافة الترتيبات التى تتم الآن لبناء نظام حكم («ثورى» الشكل.. «مباركى» المضمون). من بين مقترحات اللجنة -كما أكد المستشار على عوض- عدم وجود مادة خاصة بالعزل السياسى، لأى من فلول الحزب الوطنى أو جماعة الإخوان، الأمر الذى يعنى أن كوادر التنظيمين سوف يكون لهما الحق فى دخول الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة. والسكوت عن مسألة عزل الرموز التى ساهمت فى إفساد الحياة السياسية من خلال مواقعها القيادية داخل كل من الحزب المنحل أو الجماعة التى تسير فى طريق الحل، يعنى ببساطة محاولة لإعادة المشهد إلى ما كان عليه قبل ثورة 25 يناير، والسكوت عن فكرة «العزل» يخدم فى الأساس فلول نظام مبارك، خصوصاً فى ظل الضربات المتتالية التى توجَّه إلى الإخوان بعد خروجهم من الحكم، وتآكل شعبيتهم بصورة واضحة بعد الفشل الذى أظهروه عند تحمُّل مسئولية البلاد.
من ضمن المقترحات الأخرى التى أشار إليها المستشار على عوض: أن تكون الانتخابات القادمة لمجلس الشعب بالنظام الفردى، وتضمن أن يكمل المجلس دورته البرلمانية، لمدة 4 سنوات، حتى فى حالة إذا ما صدر حكم ببطلان القانون الخاص به. فالتعديل بهذا الشكل يضع الكرة كاملة فى ملعب فلول نظام مبارك من خلال منحهم فرصة للترشح فى انتخابات مجلس الشعب بشكل فردى -فى ظل حل الحزب الوطنى- ليتم تجميعهم بعد ذلك فى كتلة حزبية، قد يكون من بين أعضائها بعض الوجوه الثورية (لزوم غسيل الوجه) لتعبّر عن فكر ومصالح «النظام المباركى». ويتكفل الدستور بمنح المجلس القادم حصانة ضد أى أحكام قانونية بالحل! من مقترحات اللجنة أيضاً التأكيد على أن يحاكم رئيس الجمهورية أو يُعزل فى حالة «الخيانة العظمى»، أو ارتكاب جرائم جنائية بطلب من ثلث المجلس. وهذا المقترح يحمل تحصيناً لأى رئيس قادم (من أصحاب الفكر المباركى القديم) من توابع ثورة تطالب بعزله كما حدث مع «مرسى». ولا خلاف على أن هذا المقترح الدستورى لو تم تمريره سوف يتبعه صدور حزمة من القوانين التى تحرم التظاهر وتحاصره، وتمنح الآلة الشرطية حقاً غير منقوص فى قمع المتظاهرين.
ومن المضحك فى الأمر أن المقترحات تتضمن إلغاء الرقابة اللاحقة للمحكمة الدستورية على القوانين. وهى الرقابة التى دوّخت الإخوان عاماً كاملاً، ومارست المحكمة من خلالها حقها فى تعجيز الجماعة عن إصدار القوانين أو استكمال مؤسسات الدولة (بطريقة الجماعة الخاصة بالطبع!). هذه المقترحات ببساطة تعنى منح الفرصة كاملة لفلول نظام مبارك للانقضاض على الحكم بمنتهى السهولة، ثم الاسترخاء على مقاعد السلطة دون عنت أو تعب، وبمأمن كامل من الشعب الذى أدمن فكرة الثورة على أى نظام حكم يتصور أنه لا يتعامل بجدية مع مطالبه فى الإصلاح وشوقه إلى التغيير!
الآلة القمعية تكشر عن أنيابها
العديد من المقترحات التى قدمتها لجنة تعديل دستور 2012 تضع الأساس الدستورى المتين القادر على تحصين «النظام المباركى» فى إصدارته الجديدة، وتمكِّنه من امتطاء بساط الريح والعودة إلى سدة الحكم بعد 30 يونيو، لكن يبقى أن وسيلة تنفيذ الحلم المستحيل بالعودة تتموضع بصورة أساسية فى «الآلة القمعية» التى تعمل الآن بكامل قوتها فى مطاردة قيادات وعناصر جماعة الإخوان فى شوارع وميادين ومحافظات مصر، وسط ترحيب ملموس من قطاعات شعبية وثورية عديدة. والمؤكد أن لدى المؤمنين بثورة يناير الكثير من الذرائع الأخلاقية التى يستدعونها من الذاكرة كلما أوجعت قلوبهم مناظر القتل وسفك الدم، من بينها أن الإخوان سفكوا دم الثوار وهم يجلسون على مقاعد السلطة، وهددوا -حال إسقاطهم عن الحكم- بقتال الشعب، وقد برُّوا بتهديدهم وحملوا السلاح وأعملوه فى المصريين بعد أحداث 30 يونيو، وكان ما كان مما تعرفه.
ويتوقع أصحاب النسخة الجديدة من نظام مبارك أن مسلسل المقاومة الإخوانى سوف ينتهى يوماً ما، وأن بلاء الآلة الأمنية فى القضاء عليه، بعد حالة الرعب التى زرعها الإخوان فى نفوس المصريين، سوف يمنحهم نوعاً من الشرعية يمكن وصفها ب«شرعية القضاء على خطر الإرهاب»، ولن يكون هناك مانع مستقبلاً من منح الإخوان وغيرها من الجماعات مساحة لإيذاء المصريين، فى حالة وجود أى تململ بين صفوفهم، الأمر الذى يؤدى إلى إخراس الأصوات وتكميم الأفواه، بذريعة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب»، وبالتالى يتصور أصحاب النسخة الجديدة أن بإمكانهم توظيف آلتهم القمعية فى إرهاب المعارضين، تلك الآلة التى احتفظت بعافيتها، عندما أهملت فى حماية الأمن فى الشارع طيلة السنوات السابقة، وادخرت قوتها التى بانت أخيراً مع بدء خطة تنفيذ عودة «النظام المباركى»!
الآن تستطيع أن تفهم تباطؤ السلطة المؤقتة فى القبض على قيادات الإخوان بعد 3 يوليو، وكذلك التلكع فى فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة»، لم يكن الهدف هو منح مبادرات التفاوض فرصة للحل السلمى، بل ترك الحبل على الغارب للإخوان للطنطنة فوق منصة رابعة والهلفطة بتهديدات فارغة! يؤكد ما أذهب إليه القبض على العديد من قيادات الجماعة -بما فيهم المرشد العام- بمنتهى السهولة، عقب فض الاعتصامين، وهى عملية لم تستغرق سوى بضع ساعات، وأداء الشرطة فيها لا يعكس فى تقديرى قدرة احترافية خاصة تتمتع بها الآلة الأمنية، قدر ما يؤكد أن الجماعة كانت نمراً من ورق!
مشاهد الدم التى نقلتها كاميرات التليفزيون وعدسات المصورين الصحفيين لم يكن الهدف منها التناغم مع حالة الغيظ التى سيطرت على المصريين جرّاء تهديدات الإخوان، بل كان هدفها التأكيد على رسالة محددة لكل أبناء الشعب، وفى مقدمتهم أصحاب ثورة يناير، ملخصها: أن آلة القمع عادت إلى سابق عهدها، وأنها على استعداد لابتلاع كل من يفكر فى التمرد من جديد فى «كرشها» الواسع!
معاقبة الإدارة الأمريكية
هل الموقف الحالى الذى تتبناه السلطة المؤقتة من الولايات المتحدة الأمريكية له علاقة بموضوع عودة نظام مبارك فى «إصداره الثانى»؟ قد يكون. فالموقف الحاد الذى تتبناه السلطة المؤقتة من الولايات المتحدة يبدو وكأنه موقف عقابى للإدارة الأمريكية، بسبب الدور الذى لعبته عام 2011 فى الإطاحة ب«المخلوع»، وتواصل هذا الدور بعد ذلك فى دعم جماعة الإخوان، ومساندة مرشحها فى الرئاسة «محمد مرسى» حتى وصل إلى قصر الحكم، ثم المباركة الأمريكية للخطوة التى أقدم عليها «مرسى» عندما أطاح بكل من المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان. ومعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكفّ عن مساندة «مرسى» طيلة الأشهر التى قضاها فى الحكم، وكان التنسيق الخفى والمعلن ما بين الطرفين الأمريكى والإخوانى يجرى على قدم وساق، وحتى اللحظات الأخيرة قبل اندلاع مظاهرات 30 يونيو، كانت قيادات الجماعة مطمئنة تماماً إلى أنها تعمل فى ظل «الحماية الأمريكية». يشهد على ذلك التسريبات التى خرجت بعد لقاء السيد عمرو موسى مع خيرت الشاطر قبل أيام من الإطاحة بالحكم الإخوانى فى 3 يوليو، حين أكد الأخير أن «الأمريكان» لن يسمحوا بخروجهم من الحكم!
لم تنس السلطة المؤقتة فى مصر للإدارة الأمريكية هذه المواقف، وكان موقفها حاسماً ويجنح إلى معاقبتها على ذلك، من خلال تهميش الدور الأمريكى عند اتخاذ قرار الإطاحة ب«مرسى»، وهو ما أكد عليه الفريق «السيسى»، حين أشار إلى أن القرارات المتعلقة بخارطة المستقبل (3 يوليو) تم اتخاذها بمعزل عن أى تأثيرات خارجية، ولم يراجَع أحدٌ من الخارج فى أمر تمريرها. كان جوهر العقاب المصرى للولايات المتحدة الأمريكية كشف حالة الضعف والهزال التى أصابت الدور الأمريكى فى مصر، وهو عقاب يصب فى «خانة الثأر» من أمريكا جرّاء موقفها من مبارك والمشير والفريق وتغليب الإخوان عليهم. والنتيجة التى يمكن أن تترتب على ذلك دفْعُ الإدارة الأمريكية إلى نوع من الاعتدال فى موقفها من الأحداث التى تشهدها مصر والتى تهدف إلى إنتاج «الإصدار الثانى» من نظام «مبارك».
مجرد تهيؤات
لو سألت أى مواطن يسير فى الشارع: من المستفيد الأول من حالة الغضب التى سيطرت على بعض المصريين جرّاء الإفراج عن «مبارك»، فسوف يجيبك فوراً: «الإخوان». وهى إجابة تعكس واقع الحال إلى حد بعيد، خصوصاً وأن القرار منح مناصرى الجماعة «ورقة رابحة» للمتاجرة على أصحاب ثورة يناير، من أنهم كانوا ينقلبون على الثورة ذاتها حينما نزلوا فى 30 يونيو، ودعموا السلطة التى أفرزتها. ومؤكد أن الإخوان حين يرددون ذلك فإنهم لا يبغون من ورائه وجه «يناير» بل وجه الجماعة، فهم أول من تنكّر للثورة والثوار وداسوا على قيمها ومطالبها فى سبيل التمكين لعناصرهم والاستحواذ على مفردات السلطة، لكن فى كل الأحوال لن تهمل الجماعة هذه الورقة فى صراعها مع السلطة المؤقتة القائمة. والحديث عن هذه السلطة ينقلنا إلى السؤال الأخطر: هل بإمكان القائمين على صناعة القرار حالياً تدشين «إصدارة جديدة من نظام مبارك»؟ الإجابة قولاً واحداً: «تهيؤات»، ليس أكثر من تهيؤات تتشابه مع تلك التهيؤات التى سيطرت على «مرسى» وجماعته خلال الفترة التى سبقت وصولهم إلى الحكم، حين ظنوا أن بإمكانهم إحياء نظام شبيه بنظام الحزب الوطنى، ولكن بوجه إخوانى! وسوف أقول لك لماذا.
السبب الأول: أن نظام مبارك حاول فيما سبق أن يعيد إنتاج نفسه فى صورة جديدة بعد ثورة يناير، لكنه فشل. لعلك تذكر تلك المحاولات المستميتة التى بذلها عناصر هذا النظام من أجل تمكين الفريق «أحمد شفيق» من الرئاسة، وما مُنيت به من فشل، ليس بسبب الخوف من الإخوان، بل بسبب الرعب من الثوار، كما سبق وذكرت. وأى تجربة شبيهة محكوم عليها بالفشل، لا لشىء إلا لأنها تعكس تفكيراً خارج الزمن. ولعلك لم تنسَ بعدُ أن رموز النظام القديم حاولت العمل مع الإخوان المسلمين بعد ثورة يناير من أجل تفريغها من مضمونها، وتصالحت بعد ذلك مع فكرة وصول «مرسى» للرئاسة والإخوان إلى الحكم من أجل محو «يناير» من الذاكرة، وقد كان هذا هو الوضع الأمثل بالنسبة للطرفين، لكن طمع كل طرف فى الاستحواذ على كعكة الحكم كاملة هو الذى زرع الشقاق بينهما، ليتورط شركاء الأمس فى ذلك الصراع المرير الذى تشهده شوارع مصر اليوم، وسيذهب الاثنان وتبقى ثورة يناير.
السبب الثانى: أن الاعتماد على معادلة أن الشعب المصرى قد عاد إلى حالة السكون من جديد، وأن الظروف مهيأة الآن لإنتاج الإصدار الجديد من نظام مبارك يقع فى غير محله. فكّر الإخوان بهذا الشكل ولم يفلحوا، فقد ظنوا أن المصريين لن ينزلوا إلى الشارع من جديد بعد ثورة يناير، وغضوا الطرف عن حالة «الدينامية» التى أصبح هذا الشعب يتمتع بها بعد الثورة، حتى فاجأهم بنزوله ليبدأ فى النحر فى نظامهم منذ يناير 2013، حتى أسقطهم تماماً فى 30 يونيو. وبناء عليه فإن كل المحاولات الهادفة إلى «دسترة» وجود حاكم غير مرضى عنه من جانب الشعب وتحصينه ضد غضب الناس عليه ضرب من ضروب الوهم وصورة من صور المستحيل.
السبب الثالث: هذا الشعب لن يفلح معه أى نوع من القمع، ولن يجدى معه سوى الاستجابة لمطالب ثورته الأصيلة فى 25 يناير. ولو أنك استرجعت الأحداث التى شهدتها مصر عقب ثورة يناير 2011 سوف تلاحظ أنها بدأت بمشهد شبيه بالمشهد الحالى، كان الشارع يهتف فيه: «الجيش والشعب إيد واحدة»، وما إن أحس الثوار أن المجلس العسكرى يريد أن يعيد إنتاج نظام مبارك من جديد، ويتلكأ فى الاستجابة لمطالب الثورة، حتى دوّت هتافات نقيضة بسقوط حكم العسكر، وقتها حاول الأمن أن يقتل ويصيب ويطارد ويعتقل، لعلك تذكر مذابح ماسبيرو ومحمد محمود والقصر العينى واستاد بورسعيد، كل ذلك لم يفتّ فى عضد الشعب، بل زاده إصراراً على تحقيق مطالبه فى التغيير. وعندما اعتلى الإخوان الحكم قاموا هم الآخرون بترويع المصريين، فقتلوا وعذبوا واعتقلوا، وهددوا فى حالة نزول الناس بسحق الجماجم الكافرة والمارقة عن طاعة «مرشدهم». فهل منع ذلك الناس من النزول؟!
السبب الثالث: بغضّ النظر عن ابتهاج البعض بالعنتريات اللفظية التى يحتشد بها الخطاب السياسى الموجَّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب حالياً، إلا أن هذا الأمر لن يطول، وسوف تجد السلطة الحالية نفسها مضطرة إلى التفكير ملياً فيما هو أجدى فى ظل حاجتها الماسة لإنعاش الاقتصاد المنهَك، الأمر الذى يمنح الضغوط الغربية مساحة للتأثير. وسوف يستيقظ الشعب على صدمة كبرى، تتمثل فى أن السلطة الحالية لم تكن تريد بتلك «العنتريات» التحرر من التبعية للولايات المتحدة، قدر ما استهدفت المداورة والمناورة حتى تتمكن من الأمر. أحمق من يبحّ صوته فى تقديم «غناء قديم» فى «زمن جديد»، وأشدّ حمقاً منه من يظن أن بمقدوره أن «يحيى نظاماً صار رميماً»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.