سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الحماية المدنية».. مهنة «الخطأ الأول والأخير» رجل إبطال «المفرقعات» يرتدى سترة وزنها 35 كيلو جراما«.. والهدف: «حماية الجثة من التحول لأشلاء».. الوحدة نجحت فى إبطال قنبلة شارع رمسيس قبل أيام.. واللواء «عبدالمنعم»: البلاغات زادت فى الفترة الأخيرة
الحماية هنا تعنى حماية الآخر قبل حماية النفس، والدفاع هو وقاية المواطنين من أى خطر يواجههم، لا مجال هنا للخطأ فالغلطة الواحدة قد تكون سبباً فى أن يفقد أحدهم حياته، يخرجون من بيوتهم فى كل مرة مودعين أهاليهم وذويهم، يقرأون الشهادة مع كل مأمورية عمل، إنهم رجال الحماية المدنية. لست بحاجة إلى معرفة الكثير عنهم، فقط شاهدهم عبر شاشات التليفزيون يقفون بالساعات فى مواجهة النيران المشتعلة لإخمادها، بأقل الوسائل المتاحة ينزلون الشارع، وكلهم رغبة فى إنقاذ المواطنين من الأخطار التى يواجهونها، يتعرّضون لتحديات كبرى فى كل مأمورية بدايتها تكون فى الطرق المزدحمة التى تمنعهم من وصولهم بسرعة لمزاولة أعمالهم. استمع إليهم عبر رقم 180 الخط الساخن، لمعرفة الدور الذى يقومون به من أجل متابعة البلاغات المتردّدة عليهم على مدار اليوم لإنقاذ المواطنين فى كل مكان. منذ فترات ليست ببعيدة صرنا نسمع عن وجود أجسام غريبة تحمل بداخلها مفرقعات لأغراض تهدف إلى تدمير المنشآت، وقتل المواطنين. وفى الوقت الذى يهرب فيه المواطنون من وجود أجسام غريبة فى الشارع ظناً منهم أنها عبوات ناسفة أو قنابل يدوية الصنع، يقتحم رجال الحماية المدنية المكان ويقتربون بحذر لكشف حقيقة ما فيه، والعمل على إيقاف وتعطيل تلك المفرقعات. هنا فقط يحتاط الجميع، يبتعد عن المكان المشكوك فيه قدر استطاعته ويكتفى ببلاغ يقدّمه للرقم المعروف لتلقى تلك البلاغات، يترك ساحة الخطر هارباً إلى مكان آمن، ليأتى رجال الحماية المدنية بعدتهم وعتادهم من أجل مواجهة تلك الأجسام والعمل على إبطالها، مهما كلفهم الأمر. البداية تكون ببلاغ يتقدّم به أحد المواطنين إلى غرفة عمليات الحماية المدنية التى تتلقى البلاغ، حسب المكان التابع لها، يتلقاه حامد عبدالشافى الذى يعمل لفترة تصل إلى 24 ساعة هى مدة ورديته، يجلس ببذلة زرقاء يتوسطها خط عريض فسفورى الإضاءة، هو الزى المخصص للعاملين فى الحماية المدنية، يمارس عمله بالرد على التليفونات المتعاقبة على الإدارة طوال اليوم، ثمة تليفون ودفتر خاص لتدوين المحاضر التى يتلقاها طوال وردية عمله، يبدأ على الفور بالتحقُّق من جدية البلاغ بالحصول على معلومات كافية من المبلغ، تنتهى المكالمة بدقه للجرس الذى يشبه إشارة البدء لوحدة الإنقاذ المطلوبة، فمثلاً إدارة المطافئ تختلف فى دقتها عن إدارة المفرقعات، وهى خبرة اكتسبها على مدار 11 عاماً من العمل المتواصل فى إدارة الحماية المدنية، يتقن جيداً فرز البلاغات المقدّمة ويتقن أيضاً تنبيه الجهة المسئولة عن هذا الدور، «حامد» الذى يعرف حساسية دوره فى تلقى البلاغات يكشف فن تعرّضه لمعاكسات تليفونية من أشخاص ليسوا على قدر المسئولية، ويكشف أيضاً تزايد البلاغات فى الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد شعور بعض المواطنين بالفزع نحو وجود أجسام غريبة فى الشوارع أو أسفل الكبارى. صوت الجرس يُدوى فى مبنى إدارة الحماية المدنية بالجيزة هو إشارة البدء لتنطلق أفراد القوة المعنية للتجهيز لمهمتهم المطلوبة، يستعدون بخروج أولى سيارات المطافئ فى حالة ما إذا كان البلاغ عن نشوب حريق فى أحد المبانى، قد يطال أحدهم سوءاً، وهو ما وقع على أحد الضباط الذين خرجوا لإخماد حريق مبنى محافظة الجيزة فى الأحداث التى وقعت مؤخراً من قِبل مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى، الإصابات التى يخرج بها الضابط أياً كانت هى فى الحقيقة أخف ضرراً مما قد يتعرّض له زميله الآخر الذى يعمل فى إدارة المفرقعات، فخروجه فى كل مرة يعنى استشهاده، إلى حين عودته سالماً من تلك المهمة، وهو ما يؤكده النقيب ضياء فتحى الذى تلقى تدريبات خاصة على التعامل مع المفرقعات وكيفية إبطال مفعولها لمدة 6 أشهر كاملة بإحدى الإدارات التابعة لوزارة الداخلية. «ضياء» الذى يتوقع موته فى كل مرة يخرج فيها لمهمة عمل يؤكد أن المخاطر المحيطة بمهنته أكبر بكثير من تلك المصاحبة لأى مهنة أخرى، ويقول: «الغلطة الأولى هى الأخيرة دائماً فى تلك المهنة». يتذكر «ضياء» عندما تلقى بلاغاً من النجدة بوجود جسم غريب أسفل كوبرى الجامعة خرج كعادته فى كل مهمة، مستعداً لمهمته بالركوب فى سيارة المفرقعات، لديه سترة خاصة يرتديها بمساعدة اثنين من فريق العمل الذى تحرّك معه لثقل وزنها إذ يبلغ وزنها نحو 35 كيلوجراماً، تعمل فى إطار تبريدى محدد، ولتلك السترة دور واحد أساسى وهو الحفاظ على الجثة من أن تتحول إلى أشلاء فى حالة حدوث انفجار، ولكنها لا تعنى الحماية له من الموت، فمهمته هى الأخطر بين باقى زملائه، يظل «ضياء» مثقلاً بمهمة كبيرة فى توقيف مفعول قنبلة ألقاها أحد الإرهابيين فى مكان ما بهدف تدمير المنشآت وقتل المواطنين. يبدأ «ضياء» فى جمع كل أدواته المطلوبة من خوذة يبلغ وزنها نحو 15 كيلوجراماً موصلة بميكروفون لسماع مَن حوله، يبدأ فى عمل كردون أمنى على مسافة نحو خمسين متراً من فريق العمل يتحرك بجهاز الكشف المعروف باسم «الفلات إسكان» الذى يقوم بتصوير الجسم الغريب أياً كان حجمه وكشف ما به من متفجرات، أشبه بالبوابة الإلكترونية التى تكشف الأجهزة الخطرة فى المطارات والمبانى الحيوية. يتحرك «ضياء» عبر أسلاك تصل فى طولها إلى نحو خمسين متراً يبدأ فى مهمته بكشف ما فى داخل العبوة، ثم يبدأ فى العمل على إبطال المفعول الكهربى بها ثم يقوم بإطلاق مدفع من المياه لتفريق البارود المتجمع بها، هنا فقط تبدأ مرحلة الأمان، حينما ينجح فى إبطال مفعول تلك القنبلة، وهو ما حدث بالفعل فى القنبلة التى ألقيت أسفل كوبرى الجامعة منذ فترة قصيرة. العميد جمال عبدالمنعم مدير إدارة الحماية المدنية بالجيزة، يؤكد أن البلاغات التى كانت تتلقاها الإدارة زادت فى الفترة الأخيرة بفعل الحرائق المتعمّدة فى بعض الأحيان ورهبة بعض المواطنين من وجود أجسام غريبة أو عربات قديمة، يُذكر أنه فى ليلة أمس ترك أحد باعة أسطوانات الغاز عربته بجوار قسم الجيزة، فتلقوا بلاغاً عن احتمال وجود مفرقعات بها فتحرّكت على الفور القوة المنوط بها تلك المهمة لتكتشف أن أحد الباعة ترك عربته لخوفه من أحد الكمائن بسبب خرقه ساعات حظر التجول، وهو ما تم التحقُّق منه بفعل الأجهزة المتطوّرة التى يعملون من خلالها، لافتاً إلى أن أغلب شكاوى المواطنين من تأخر عربات الإطفاء فى حالات الحرائق يكون سببها أعطال مرورية، وهو ما نحاول التخفيف منه بالتعاون مع إدارة المرور، لكن الزحام المتواصل والمستمر فى بعض الطرق الرئيسية يسهم بشكل كبير فى عدم وصول عربات الإطفاء إلى مكانها. يتحدث «عبدالمنعم» عن الإدارات الموجودة بالحماية المدنية والمتخصصة فى الإنقاذ النهرى والإنقاذ البرى والمطافئ والمفرقعات وجميعها تعمل على مدار ال24 ساعة دون توقف. فى محافظة القاهرة وقبل يومين نجحت إدارة الحماية المدنية فى إبطال مفعول قنبلة وُجدت فى شارع رمسيس يقول اللواء ممدوح عبدالقادر إن الخدمات الأمنية برمسيس لاحظت وجود جسم غريب بجوار شركة الصرف الصحى، وعلى الفور انتقلت قوة من إدارة المفرقعات للتعامل مع البلاغ. يؤكد «عبدالقادر» أن هناك عدداً كبيراً من بلاغات الأجسام الغريبة تصل إلى نحو عشرة بلاغات فى اليوم الواحد، وأغلب البلاغات تكتشف الإدارة وجود ما يُعرف بالعبوات، التى تصدر أصواتاً عالية أشبه بالانفجار، لكنها لا تتسبّب فى إيذاء أحد، ويشير إلى أن تلك العبوات يتم التعامل معها من قِبل القوات المدربة على التعامل مع المفرقعات.