التسرع والتعميم ظلم لأبناء التليفزيون المصرى، فلو كان البث لكافة قنواته متاحاً بالحرية الحقيقية لكل أبنائه الذين كان معظمهم فى ميدان التحرير، لكانت الصورة مختلفة. عندما كنا نعيش أزهى عصور الديمقراطية، كان من بين ما يتردد فى فضاء العصر المباركى مقولات للحفظ والنشر: «التعليم قضية أمن قومى» و«الحكومة الذكية» وأخيراً المقولة الأكثر انتشاراً «إعلام مصر الرائد»، بينما كنا بصدد حكومات غبية قد ذهبت برموزها إلى السجون لفرط الفشل والغباء والفساد، وتعليم أكثر غباءً وفشلاً وتراجعاً، أما الإعلام، فكان بالفعل رائداً فى توفير أجهزة وتقنيات وأبنية وبنية أساسية وأقمار صناعية، أما الريادة الفكرية والفنية والمهنية، فقد سحقتها فكرة اعتماد منظومة إعلام موجه بامتياز لتسويق وترويج فكر حكومى غبى وبليد فى أزهى عصور الديمقراطية، وعبداللطيف المناوى وقطاعه الإخبارى وبرامجه الإخبارية التى كانت تقدم كل شىء إلا تقديم الواقع والحقائق بصدق وشفافية مثالاً جلياً على ما أدعى.. لو توقفنا فقط عند البرنامج اليومى «صباح الخير يا مصر» ومثال واحد فقط أسوقه للتدليل على مدى الإصرار على على ترويج بضاعة جمال مبارك ولجنة السياسات الفاسدة عبر استضافة أستاذة أكاديمية بجامعة القاهرة بشكل شبه يومى للترويج لسياسات وزير المالية الخطيرة يوسف بطرس غالى، والإشادة ببرامج بيع الأصول وصاحب فكرتها وزير الاستثمار زميلها فى الكلية ولجنة السياسات!!.. ناهيك عن دفاع البرنامج أو الصمت والتخاذل فى أحوال أخرى لتأييد ودعم المواقف الحكومية البشعة إبان أزمات وكوارث تاريخية مثل حريق بنى سويف وغرق العبارة التى راح ضحيتها أكثر من ألف مصرى وكوارث قطارات وعمارات ومراكب الموت، والحصول بجدارة على صفر المونديال!! أما عن ممارسات ذلك القطاع إبان أيام الثورة المجيدة وبشاعات دوره الخطير فحدث ولا حرج، فضلاً عن الكاميرا الخالدة المثبتة على كوبرى أكتوبر وأمام ماسبيرو أو الحديث عن مظاهرات خايبة لشوية عيال.. أضيف لتلك المواقف المناوية، فإنه لا يمكن التغاضى عن التنسيق مع كل المحافظين؛ ليعلن جميعهم على التوالى أنه لا وجود لثورة ولا تظاهرات والهدوء يسود الشوارع بتأكيد وحزم (وبعضهم موجود بحطة إيد مبارك بالمناسبة!!) بينما كل الفضائيات ووكالات الأنباء العربية والعالمية ومواقع الشبكة العالمية الإنترنت فى كل الدنيا تنقل ثورة ملايين الشباب فى طليعة بشر قرر سقوط رأس النظام وأمن الدولة والحزب الحاكم، إلا تليفزيون أم الدنيا وقطاع الأخبار لا يرون ولا يسمعون حالة التصاعد الثورى فى كل ميادين التحرير، وكانت نهاية المشهد بثورة الناس فى القطاع نفسه على رئيسه وخروجه فى حماية الجيش ومنه إلى بلاد الفرنجة!! ثم يخرج علينا المناوى عبر لقاءات وحوارات صحفية وتليفزيونية؛ ليحدثنا عن بطولات دون كيشوتية، وإعلان عن كتاب جديد يوثق بطولته وقطاعه العبقرى، وفقط أذكر ببعض ما جاء فى حوار أجرته معه جريدة «المصرى اليوم» حول المشهد التراجيدى للخروج من القطاع، والذى تداولته كل مواقع الإنترنت حال حدوثه، حيث يقول المناوى رئيس مركز أخبار مصر، إنه خرج من مكتبه وسط حراسة القوات المسلحة عقب احتجاجات بعض العاملين بقطاع الأخبار بناء على نصيحة أمنية، واعترف المناوى ل«المصرى اليوم» إبان الأيام الأولى للثورة بأخطاء إعلام الدولة أثناء أحداث ثورة 25 يناير وقال: لقد خدعنا، كما خدع الآخرون رغم حرصنا على التوازن فى التغطية الإعلامية (توازن!!!)، وحول اتهامات عديدة موجهة لإعلام الدولة فى الفترة الماضية، من بينها تضليل الرأى العام، وترويع المواطنين، والتعتيم على ما عُرف إعلامياً بموقعة «الجمل» التى استهدفت فض المتظاهرين فى ميدان التحرير، أجاب المناوى: «لقد طلبت إجراء حوارات مع شباب الثورة، وكان الدافع هو الإحساس بأهمية الحوار من منطلق حق الناس فى أن تتكلم!!»(ياراجل!!) جاء فى رسائل المهندس أسامة الشيخ من سجن طرة لأكثر من صحيفة ما يُلقى الضوء حول دور رئيس القطاع، قال: «إن رئيس قطاع الأخبار وقت الثورة كان هو المدير الفعلى والمسئول الوحيد عما بثه التليفزيون المصرى خلال أيام الثورة وهو صديق عزيز، إلا أن اختلاف المواقف لا يفسد للود قضية، إن التسرع والتعميم ظلم لأبناء التليفزيون المصرى فلو كان البث لكافة قنواته متاحاً بالحرية الحقيقية لكل أبنائه الذين كان معظمهم فى ميدان التحرير لكانت الصورة مختلفة والخطاب مختلفاً، فلم يتم السماح لأكثر من واحد فى المائة من أبنائه بالوجود فى مبنى ماسبيرو لأسباب بعضها معقول وبعضها مجهول».. والتعليق أنتظره من قارئ «الوطن» العزيز.. وللحديث بقية حول تجليات الإعلام الرائد والدروس المستفادة!!