هو زوج شاب فى منتصف العشرينات. شكله متوتر جدا لأن مراته دخلت غرفة العمليات لتنجب أول مولود لهما.قلت أمارس هوايتى فى التهريج فى أوقات غير مناسبة: «جمد قلبك يا أبوحميد. ياعم ده أنت بتقف على دبابة فى وسط الجبل. جمد قلبك». مردش علىَّ. بصيت له باستغراب، مش المفروض ضباط الجيش قلبهم حديد ومبيتهزوش؟ واضح إن حضرة الملازم قلبه رهيف ناحية مراته وبنته اللى طلت علينا من غرفة العمليات. شالها ووشه منور وفرحان. الممرضة خدتها منه وحطوها فى عربية صغيرة وطلع بيها على الحضّانة. بعد ساعات من اطمئنانه على سلامة صحة زوجته، ورغم إن بنته ما زالت فى الحضّانة، غادر حضرة الملازم المستشفى بسرعة علشان يرجع وحدته. السبب؟ حالة الاستنفار اللى إحنا عايشينها فى مصر، لازم أرجع الوحدة»، مفكرش كتير، رغم إن الاختيار صعب. مقالش: «أضربلى يومين مرضى ولا حاجة». ولا قال «ياعم هى جت علىَّ.. ما فيه آلاف الظباط». إطلاقا. هو متفهم تماما احتياج البلد لكل مقاتل فى مكانه طول الليل وطول النهار، علشان المصريين يحسوا بالأمن والأمان. ساب كل حاجة ورجع تانى الوحدة العسكرية، ومخدش أى إجازة استثنائية من ساعتها. حضرة الملازم مش حالة منفردة. بالعكس هناك عشرات الآلاف من رجال مصر اللى بيخدموا فى الجيش والشرطة فى ظروف بالغة الخطورة، بس إحنا مش حاسين بيهم. مش عارفين يعنى إيه زوج مش قادر يقعد مع زوجته بعد الولادة. ولا إنه يشيل بنته. مش مركزين إنهم بيغيبوا بالأسابيع عن أمهاتهم. عن بيتهم وفرشتهم. مش شايفين الحر والتراب اللى بيتنفسوه فى الجبل، مش عارفين رصاصة الغدر والخسة جاية ليهم منين. عساكر وضباط مصر هم السبب الأول ورا إن حضرتك تقدر تقعد فى بيتك آمن مطمن على نفسك. على أهلك وعلى فلوسك. بفضل تضحياتهم إحنا بنقدر نعيش. نقدر نروح شغلنا. نقدر نشوف أهلنا وصحابنا ونضحك وننبسط ونفرح. لكن حالهم هما إيه؟ من سوء حظى إنى فى هذه الأيام السوداء أظهر على الناس كل يوم فى موقف العزاء. عبر التليفزيون أعزى الشعب المصرى فى سقوط شهداء جدد من رجال مصر برصاص الإرهاب. شباب زى الفل. ضحكتهم ولا ضى القمر. يُقتلون فى عرض الطريق بطريقة انتقامية خسيسة. كل يوم تزيد الأعداد من شهداء ومن جرحى. كل يوم هجوم على كمين، على معسكر، على نيابة عسكرية، على بنك، على إذاعة، الأنذال هجموا حتى على مستشفى، فى كل هذه الأماكن رجال مصر دائما موجودون للحماية ودائما يسقط منهم شهداء. وكل يوم السؤال بيتكرر حتى تحول إلى روتين: «فيه شهداء النهارده فى سيناء؟» الإعلام يسأل عن الأرقام، والناس تردد الأرقام، الإعلام لا يسأل عن الملابسات، يتجاهل أحلام الشهداء، لا يستضيف أسرهم، كذلك تفعل الدولة، كذلك يسير الناس خلفهم، يتحول الشهداء إلى رقم. هو ده هيكون سؤال معتاد؟ هو إحنا هنفضل نسأل بس؟ نعرف ونحزن وخلاص؟ مستسلمين للواقع؟ فين محاولات الحفاظ عليهم قبل ما يتحولوا لأرقام؟ قبل ما تقتل أحلامهم؟ قبل ما يبعدوا عن حضن أمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم؟ فكر معايا: أنا وأنت نقدر نتحرك ونعمل إيه؟