تحولت الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، منذ الانفجار الذي هزها قبل أيام إلى قلعة أمنية شدد فيها حزب الله تدابيره عبر إقامة حواجز تفتش السيارات وتدقق في الهويات، بموازاة ورشة تنظيف وإصلاح يشرف عليها الحزب النافذ في مكان التفجير. في ظل التدابير الجديدة، تتقدم السيارات في صفوف طويلة عند مداخل الضاحية وصولا إلى الحواجز التي يقف عليها مدنيون أو رجال ببزة علقت عليها عبارة "اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية"، علما أن بلديات المنطقة كافة يسيطر عليها الحزب الشيعي القوي. الرجال غير مسلحين، يفتشون السيارات، يوقفون الدراجات النارية ويدققون في هويات سائقيها.. ما تسبب بزحمة سير خانقة في الشوارع. ويقول أحد عناصر حزب الله رافضا الكشف عن اسمه، "العيون مفتوحة جيدا. والناس يطمئنون لدى رؤيتنا". ويدين أهالي الضاحية الجنوبية المكتظة بالسكان بغالبيتهم بالولاء لحزب الله الذي يملك شبكة واسعة من المدارس والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والطبية والخدمات التي يفيد منها أنصاره، إلى جانب ترسانة ضخمة من الأسلحة يطالب خصومه بوضعها تحت تصرف الجيش اللبناني، بينما يتمسك الحزب بها بحجة مقاومة إسرائيل. ويقول الخصوم، إن الحزب المدعوم من إيران والمتحالف مع النظام السوري، يضغط بواسطة سلاحه لفرض إرادته على الحياة السياسية اللبنانية، وأنه يقيم "دولة ضمن الدولة". وأوقع انفجار سيارة مفخخة في 15 أغسطس في منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية 27 قتيلا، وجاء بعد شهر تقريبا من انفجار آخر في منطقة بئر العبد القريبة تسبب بإصابة خمسين شخصا بجروح. وأدرج الانفجاران في إطار استهداف الحزب الذي يتعرض لانتقادات وتهديدات واسعة منذ الكشف قبل أشهر عن مشاركته في القتال إلى جانب قوات نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. وتبنت الانفجار الأخير الذي حصد أكبر عدد من القتلى منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) مجموعة غير معروفة تطلق على نفسها اسم "سرية عائشة أم المؤمنين"، مشيرة إلى أن العملية رد على تدخل حزب الله العسكري في سوريا. واتهم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله من جهته "تكفيريين" بالتفجير. في مكان الانفجار، أشرطة صفراء وعوائق معدنية تمنع دخول من لا يملك إذنا من حزب الله، وتقفل بعض الأرصفة والطرق الفرعية. أبنية يغطيها السواد نتيجة الحريق الذي تسبب به الانفجار، شرفات طارت من مكانها، بعض الركام هنا وهناك.. إلا أن "ماكينة حزب الله" بدأت فور الانتهاء من إجلاء الجرحى وسحب الجثث ورفع الأدلة، ورشة تنظيف وإصلاح. فقد ردمت الهوة التي أحدثها الانفجار في المكان، ونظف الشارع، ونصبت السقالات على واجهتي المبنيين الأكثر تضررا استعدادا لبدء الترميم. وفي منطقة نادرا ما يشاهد فيها وجود فعال لأجهزة الدولة اللبنانية، يؤكد السكان، رغم شيء من القلق على وجوههم، أنهم غير خائفين. ويقول موسى، وهو صاحب محل تجاري في الشارع "كل شيء تغير بعد الانفجار. هذا الشارع كان آمنا جدا". على بعد مئات الأمتار من مكان الانفجار، يقع مجمع سيد الشهداء الذي يقيم فيه عادة حزب الله احتفالاته والذي ظهر فيه نصرالله شخصيا خلال شهر رمضان. ويقل موسى أنه "نجا بأعجوبة" من الانفجار، مضيفا "لا نشعر بالخوف. حتى الإسرائيليين لم يخيفونا"، في إشارة إلى حرب يوليو 2006 بين حزب الله والجيش الإسرائيلي التي استمرت 33 يوما، وتعرضت خلالها الضاحية الجنوبية لدمار هائل نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي. ورفعت لافتة في المكان كتب عليها بالإنجليزية "هيهات منا الذلة!". ورغم تحميل البعض في لبنان الحزب مسؤولية الانفجار بسبب تورطه في القتال السوري، ففي الضاحية، لا يسمع الإعلاميون أي نقد للحزب. على أحد الأبنية المتضررة، رفعت صورة لحسن نصرالله مع عبارة "إنها الضاحية إيها الحمقى". وتعبر زينب، وهي أم لطفلتين، عن أملها بعدم حصول تفجير جديد "بعون الله والمقاومة"، وسط شائعات وتقارير أمنية تتناقلها وسائل الإعلام منذ أيام عن مخطط لتنفيذ تفجيرات عدة في مناطق نفوذ حزب الله. بعيدا عن آلات التصوير، يقول محمد "الجميع هنا يتساءل أين سيكون الانفجار الجديد؟ في الأوزاعي؟ في حي السلم؟"، وهما حيان آخران من الضاحية. ويضيف "العديد من الشيعة اللبنانيين ذهبوا في رحلات حج إلى العراق، وشاهدوا الاعتداءات والحواجز.. نتحدث بين بعضنا بوجوب تجنب الأسواق الشعبية، والناس خائفون خصوصا من اقتراب فصل المدارس" وازدياد نسبة الزحمة في الطرق. في مناطق أخرى يتمتع فيها حزب الله بنفوذ قوي مثل بعلبك (شرق)، تنتشر حواجز ومسلحين تابعين للحزب في الطرق للتدقيق في السيارات والمارة. وأفاد سكان، أن الأكثر عرضة للشبهة هم السوريون الذين يتعرضون لإجراءات تفتيش مشددة. ويقول شاب مشارك في تنفيذ التدابير الأمنية في الضاحية "انزلقت الحرب في سوريا إلى هنا. وما هذه إلا البداية".