يقول هذا الماكين إنه انقلاب، حسناً هو انقلاب، انقلاب شعب بأكمله على نظام متآمر لن أغوص فى مستنقع المصطلحات المدمرة لأنها إحدى أخطر وسائل المؤامرة الكبرى بداية من: المليونيات إلى حق الاعتصام السلمى، حكم العسكر، حق الشهداء، شرعية الصناديق، تماماً كمصطلح «الإسلام هو الحل» سابقاً جميعها مصطلحات تم نحتها لصالح مناورات سياسية رخيصة وللأسف يقع كثير من النخبة فى مستنقعها، فتلوكها ألسنتهم ليل نهار على شاشات الفضائيات، كما لوكانت عبارات دالة على أشياء محددة وهى كلمات مراوغة صممت للتتويه والتضليل. شخصياً تحررت منها تماماً وأتجاوزها دائماً إلى وصف الحقائق البازغة التى لا تحتمل تأويلات ثنائية إلا لمن أراد التعامى عنها والتغابى عن دلالاتها. هذه الحقائق تقول: إن ملايين الشعب المصرى نزلت إلى الميادين والشوارع والحوارى والأزقة فى كل محافظات مصر رافضة رفضاً قاطعاً هذا الحكم الإخوانى، وهذه الملايين نزلت مرة أخرى بأعداد أكبر يوم 26 يوليو لتفوض القائد السيسى باتخاذ ما يحفظ الأمة من الإرهاب، هذه الملايين رغم كثرتها لا تشكل كل المجتمع المصرى، بل هنالك أكثر ظلوا فى بيوتهم رغم تأييدهم القاطع لثورة 30 يونيو، فأنا مثلاً نزلت إلى الميادين يومها تاركاً أسرة كبيرة من 15 فرداً كلهم يؤيدون تأييداً قاطعاً لخطوات الفريق السيسى رغم أن أحداً منهم لم ينزل من بيته. فى المقابل هناك آلاف فى رابعة العدوية والنهضة وبعض المحافظات يصرون على عودة الرئيس المخلوع محمد مرسى، وهؤلاء يرهنون مستقبل الأمة كلها بعودته، وإلا فإنهم يعدوننا للموت. الإعلام الغربى مضلل سعى لوصف الواقع على أنه نزاع بين طرفين متكافئين، والبعض يطرح فكرة الاستفتاء على خارطة الطريق التى حددها الفريق السيسى أو عمل انتخابات رئاسية مبكرة. ملايين المصريين طلبوا هذا المطلب من قبل مراراً ورفضه حينها المعزول ومؤيدوه لأنهم كانوا متيقنين أنه سيفضح حجمهم الحقيقى فى المجتمع المصرى. فض الاعتصامات لا يعنى بحال من الأحوال إراقة الدماء إلا لو أراد ذلك المتآمرون من داخل الميدان. حرض سيد قطب الضباط الأحرار عام 1952 على إعدام شابين صغيرين، أحدهما 19 عاماً و17 عاماً بتهمة تأليب عمال كفر الدوار ضد النظام، خميس والبقرى اسمان شهيران عند الحقوقيين كتب قطب وقتها: «لا يضير قطار الثورة السريع أن يدهس فى طريقه اثنين أو ثلاثة أو أكثر». لدينا قيادات ميدانية فى ميدان رابعة، مثل هذا البلتاجى الذى قال نصاً: إن عمليات القتل فى سيناء لن تتوقف إلا بعودة مرسى للحكم، ثم يصرح بالأمس بأنه يدين أعمال العنف فى سيناء من الطرفين قاصداً الجيش والإرهابيين، بربكم ما الخيانة إن لم تكن هذه خيانة؟ يخرج صفوت حجازى ليقول إن لم يعد دكتور مرسى، فإننا سوف نبدأ بعمليات تصعيد لا يتخيلها أحد، مذيعة قناة العربية رددت بذهول: لا يتخيلها أحد؟ لسنا قطبيين بالطبع، ولا يمكن أن نحرض على القتل، ولا يمكن أن نحفز على الموت، لكن ماذا لو أن الخيار بين شيئين لا ثالث لهما، إما الموت للمارقين أو الموت لمصر كلها. كان إعدام خميس والبقرى جريمة تاريخية لأنهما لم يشكلا واقعياً أى تهديد حقيقى للبلاد والعباد، وإنما قتلهما كان لإرهاب الآخرين حسب نظرية: «اضرب المربوط يخاف السايب». أما من يهدد البلاد والعباد ويستدعى ويستعدى الآخرين على مصرنا ويريد تدويل مشاكلها لتصبح مسرحاً للتدخل الأجنبى يؤدى كل وافد مغرض دوراً رخيصاً على خشبته، هل هذا متهم برىء أو مظلوم؟ هل هذا تجرى فى عروقه دماء مصرية غالية، أم تجرى فيها دماء ملوثة بالعمالة، ملطخة بالجهالة؟ سوف يقول كثيرون هنالك البسطاء المضللون، ربما، ولكن أليس قرآننا يقول: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) أثمّن صبر وحكمة القائمين على القرار المصرى الآن، فلاشك أن الدم المصرى غالٍ، شرط أن يكون دماً مصرياً خالصاً، وشرط أن يكون دماً شريفاً نزيهاً لا يقبل مدداً من فصيلة أخرى، ذلك لأن الدم الخائن ليس غالياً، بل رخيص ولو صرخ ألف مرة بأنه يسير ويتحرك فى عروق مصرية.