الموضوع: قراءة فى الواقع والمستقبل كل عام وأنت بخير أيها القارئ العزيز. كل عام ومصر كلها بخير، وقد انتهت التحديات التى تعوق المسيرة نحو السلام والسلم المجتمعى والتقدم فالتفوق. كل عام والعرب والمسلمون والعالم كله بخير، وفى رشاد وهداية حقيقية، بعيدا عن الصراع الدامى، وهيمنة القوى على الضعيف والغنى على الفقير. ونحن نتمنى السلام والسعادة والرفاهية للإنسانية كلها. تعلمنا ذلك من الدين الحنيف «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» وتعلمناه فى ضوء الدعاء النبوى العظيم «اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون». نعم فى مصر اليوم مآسٍ كثيرة، وبيوت فقدت أولادها من العسكريين والمدنيين فى سيناء، وعند المنصة فى رابعة وفى صلاح سالم عند نادى الحرس الجمهورى، وفى منطقة بين السرايات عند جامعة القاهرة. هذا فى القاهرة وحدها، كما رأينا مشاهد موسعة من القتل والجرح فى كل المحافظات، ورأينا دماء تسيل، وعنفا لم يكن له مبرر على الإطلاق، بل لم يسبق له مثيل فى مصر. السياسة داخل الوطن الواحد على الأقل، يجب أن تكون تنافساً وليس صراعاً، تكون سياسة فيها غالب ومغلوب، وفيها منتصر ومهزوم مثل الكرة تماما بتمام، ولكن على السياسيين أن يتحلوا بالروح الرياضية فيقبلوا بالهزيمة، ولا يملأ الغرور بالنصر قلوبهم. كم من الوقت ضاع بسبب عدم الاستقرار، وكم من الألم ساد فى المدن والقرى، وكم من العنف رآه العالم كله فى مصر، بعد الثورة الشعبية الحضارية العظيمة فى 25 يناير 2011، ثم الثورة الحاشدة فى 30 يونيو 2013، ثم فى 26 يوليو 2013. تعجب العالم من ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011، التى شارك فيها الرجل والمرأة، الشاب والكبير، المسلم والمسيحى، والأمى والمتعلم، والعامل والفلاح والعاطل عن العمل، ثم جاء الوقت الصعب، وضعنا تلك الثورة فى الإنعاش زمناً، ثم أزهقنا أهداف ومتطلبات تلك الثورة بأيدينا ثم بكينا عليها. أزهقناها ونحن نسرع إلى البرلمان ونهجر الميدان، وكان من الممكن أن نعمل من أجل الاثنين معاً، فنجمع العمل السياسى إلى الفعل الثورى، حتى تتحقق أهداف الثورة الأربعة العظيمة، والتى لن تشهد مصر استقراراً بدونها كأساس قوى ومتين للبناء فى المستقبل. تعرضت صورة المرحلة الانتقالية الجميلة إلى تشوهات، رأيناها فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، وسحل المرأة فى ميدان التحرير ورأيناها فى كشف العذرية وغيره من الأعمال والأفعال والكلمات والإشارات. رأينا صورة جميلة أخرى، بعد المرحلة الانتقالية فى الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، رغم ما شابها من أحداث ووقائع مؤلمة هنا وهناك، لكنها كانت محتملة فى إطار إرساء المسيرة الديمقراطية. رتوتش لم تؤثر فى الصورة الجميلة كثيرا. ثم رأينا تحديات أخرى بشعة بعد المرحلة الانتقالية، وهى مرحلة سنة كاملة وثلاثة أيام من حكم الرئيس المنتخب مرسى الذى يطلق عليه اليوم الرئيس المعزول. شابت تلك المدة عدة تحديات وتشوهات وجرائم، لم يصبر الشعب، خصوصا الشباب عليها، منها الصراع مع القضاء والإعلام والجيش والشرطة، ومنها إهدار دم بعض الثوريين، ومنها مخاطبة الأهل والعشيرة فقط، فقررت «تمرد» جمع ملايين التوقيعات، ونجحت نجاحاً باهراً، حيث استجاب لها قطاع عريض من الشعب، ممن صدموا بأداء مرسى وقيادات الإخوان وقيادات الحرية والعدالة، الذين أصبح من العسير أن يسيروا فى الشارع دون حراسة، ثم أصبح السير فى الشوارع مستحيلا حتى مع الحراسة أو البودى جاردات. وهى ظاهرة جديدة على الحركة الإسلامية ورجالها ومسيرتها، تلك التى كانت تحتمى دائما بالشعب ضد فساد الأنظمة أو الديكتاتورية، وكان معظم الوطنيين، مهما كانت انتماءاتهم الفكرية والحزبية، ضد السجون والمعتقلات والمحاكم العسكرية وخروقات القانون وانتهاك حقوق الإنسان. ثم كانت ثورة 30 يونيو 2013. كانت تلك هى اليوم الفصل، حيث نزل إلى الميادين والشوارع ملايين المواطنين حقاً، دون ما يسمى «الفوتوشوب»، الذى اخترعته بعض قيادات الإخوان وصدقهم الآخرون وكذَّبوا أعينهم، وأعين أهاليهم وجيرانهم. كان على القوات المسلحة ورجلها الوطنى القوى، الفريق أول السيسى، أن يختار ما بين الاصفاف مع الشعب أو حماية النظام الفاشل، فاختارت القوات المسلحة الشعب ودعم مطالبه، التى كانت تتمثل فى انتخابات رئاسية مبكرة، رفضها مرسى والإخوان من قبل، فوقعوا فى الفخ وحاق بهم ما كانوا يكرهون. لم يقرأوا المشهد الواقع قراءة صحيحة، حيث رأوا 30 يونيو وتمرد زوبعة فى فنجان. ومن لا يقرأ الواقع قراءة صحيحة لا يمكن أن يقرأ المستقبل أيضاً قراءة صحيحة، ومن ثم الفشل. أرى أن نزول الجيش لدعم ثورة يونيو، ثم تفويض الشعب للقوات المسلحة ورجلها الوطنى القوى الفريق أول السيسى لمواجهة الإرهاب والعنف، هو أمر طبيعى وواجب على الاثنين، واجب على الشعب، وواجب على القوات المسلحة ومسئولية فى الأعناق، فحماية الوطن أهم وأولى من حماية أى نظام، خصوصا إذا كان فاشلاً. إن حماية ودعم القوات المسلحة لثورة 30 يونيو هى أيضاً، كحمايتهم ودعمهم لثورة 25 يناير 2011، ضد نظام استبدادى فاسد من قبل. هكذا تتعدد موجبات خلع الأنظمة التى لا تحترم شعوبها، ولا تقرأ الواقع جيدا ولا المستقبل، رغم الفتاوى الكثيرة التى توجب السمع والطاعة للمتغلب، وفى ظنى أنها فتاوى فى ضوء مبدأ الضرورات تبيح المحظورات ولكنها فى ظنى لا تسقط الواجب، حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه فقتله». وكل ثورة وعيد وأنتم طيبون. والله الموفق