كتبت من قبل مقالا بعنوان «يوم مشهود» وهو يوم 30 يونيو، واليوم نكتب عن «يوم منكود» وهو يوم الاثنين 8/7/2013، حيث إن هذا اليوم المنكود شهد مذبحة الفجر أو مذبحة سور الحرس الجمهورى، أو مذبحة الشباب الطاهر المضلل بفتاوى التكفير والتشدد والعنف والكراهية. وستكشف التحقيقات -كما نتمنى- عن حقيقة الأمر للتضارب فى الأقوال. ويا ليت العنف يقف عند هذا الحد، وتكون هذه الكارثة -كما يقول المصريون فى المآتم والكوارث: «آخر الأحزان»، ولا ينزلق المتنافسون سياسيا إلى صراع فاق حدود السياسة والاقتصاد والأمن، بل إنه فى ظنى صراع يؤدى بالوطن إلى فوضى عبثية، إن لم تستطع الجهات الحاكمة والمسئولة سد أو إيقاف هذا الباب أو عجزت عن علاجه علاجا ناجعا، يعاقب فيه بالقانون كل من أساء إلى هذا الوطن أو حرَّض على مثل تلك المجازر أو شارك فيها، دون الإخلال بالحريات الواسعة أو تقييدها، أو انتهاك حقوق الإنسان التى اكتسبها المصريون بعد ثورة 25 يناير، ويجب أن تؤكدها ثورة 30 يونيو لا أن تنتقص منها. هذا الصراع جزء من الفتن التى يغيب فيها العقل، وتقل فها الحكمة، ويكثر فيها الهرج والمرج والقتل، حتى لا يعرف القاتل فيما قَتل، ولا المقتول فيما قُتل، كما جاء فى الحديث. خطورة الفوضى لا تخفى على عاقل، وقد تتمثل فى ضياع الأمن العام والقومى والشخصى، وانتشار الخوف والريبة والشك فى الآخر، ولكن أخطر التحديات فى سيناريو الفوضى أنه قد يكون مقدمة للتدخل الأجنبى، وتفكيك الوطن، حيث إننا نعيش فى قرية صغيرة، وهناك عمد ومشايخ خفر من أصحاب البطشة القوية، ولهم مصالح يريدون تأمينها ويمسكون بعصى الاقتصاد والقروض والمساعدات، فى ظل نظام جائر يسمى بالنظام العالمى، وهو النظام الغربى أو الأمريكى الذى يتميز بالهيمنة ويقف على أساس قوى من المنفعة الشخصية وليس هذا النظام بالعالمى. يستبعد كثير منا حدوث مثل ذلك الأمر -أى الفوضى- حتى تكون المفاجآت غير سارة، ولكننى يجب أن أذكر الجميع بما حدث فى أفغانستان وباكستان والعراق والصومال وتقسيم السودان تحت حكم الإسلاميين، وما يجرى فى سوريا اليوم تحت سمع وبصر الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى، ولا تستطيع الحكومات ولا الشعوب العربية عمل أى شىء حيال ذلك الأمر الخطير. وهنا تتنادى بعض الأصوات بطلب التدخل الأجنبى أو المساعدة الخارجية. فى مصر اليوم فتنة أخرى يدافع عنها الشباب الإسلامى أو يقع فيها، وهى فتنة ما يسمى بالدفاع عن الشرعية والتضحية فى سبيلها. نعم كان هناك شرعية للدكتور مرسى وهى شرعية الصناديق، ووقف إلى جانبها معظم الشعب وفرحوا بها، لأنها أنقذت مصر من عودة النظام القديم أى الدولة العميقة وممارساتها العجيبة المعيبة، ولكن الصناديق فقط جانب من جوانب الشرعية فى النظام الديمقراطى، يكملها فى الجانب الآخر شرعية العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم، وبهذا تكتمل الشرعية وتصبح حقيقية، أما الإخلال بأى منهما فهو إخلال بتلك الشرعية. وقد انتخب الشعب مرسى ليقوم بواجباته ومسئولياته كحاكم عادل نزيه، وأن يفى بوعوده الكثيرة، ولكنه أخل بها ولم يف بتلك العهود والوعود. ويتعجب الإنسان العاقل، لماذا يقبل الإسلاميون حماية الجيش لثورة 25 يناير 2011 ويتعاونون مع المجلس العسكرى الحاكم فى الفترة الانتقالية، ولايحترمون حماية الجيش لثورة 30 يونيو 2013، ويرفضون التعاون معه بل ويهاجمونه، ويعتبرون ما قام به انقلاباً على الشرعية الصندوقية الانتخابية، ولايرون سوء أداء الرئيس وأخطائه القاتله والإجراءات التى أشار إليها فى خطابه قبل ثلاثة أيام فقط من 30 يونيو بقيادة «تمرد». تلك الحركة الشعبية الواسعة الانتشار التى كان يراها الإخوان والإسلاميون مجرد «زوبعة فى فنجان». علينا أن نراجع أنفسنا قبل أن نتهم الآخرين أو نقع فى حبال الفتنة. وأن نقرأ الواقع قراءة صحيحة أو أقرب إلى الصحة، ولكننا انصرفنا عن الواقع، وانشغلنا بأنفسنا والسيطرة والتمكن، على حساب الدعوة والانتشار بين الناس. تعجبت وأنا أستمع إلى خطاب مرسى قبل الأخير الذى ذكر فيه بعد فوات الأوان إجراءات من قبيل لجنة عليا لدراسة وعلاج موضوع البلطجة، ولجنة للمصالحة الوطنية، ولجنة لمراجعة الدستور، وإشراك الشباب كمساعدين للوزراء والمحافظين، التى قال عنها بعض المحللين إنها رشوة متأخرة. لماذا تأخر مرسى فى كل تلك الإجراءات التى لا علاقة لها بالفلول ولا الثورة المضادة ولا الطرف الثالث؟ إنه التردد المعيب والتفكير البطىء أو المشورة المتأخرة أو الخاطئة مهما كان مصدرها. الله تعالى يقول «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ». الله الموفق