أغلبية جيل الشباب الحالي لم تعش صراع الأيديولوجيات بين المعسكرين الشرقي والغربي أثناء الحرب الباردة، لكن عاشت وارتبطت أكثر بالإنترنت، حيث كان الساحة الافتراضية التي وجدوا فيها الكثير مما افتقدوه على أرض الواقع من حريات فكان ساحة للتعلم، التعارف، تبادل المعلومات، الشراء والبيع، تأسيس المشروعات، الدعوة للثورة. لكن في عالم الواقع يظهر من وقت لآخر أن من يسعى لوضع القيود على هذا الفضاء الإلكتروني من قبل السياسيين أو الشركات الكبرى، أو المؤسسات الدينية، تارة بحجة الأخلاق وتارة أخرى لأسباب سياسية أو اقتصادية. وتواجه دائما هذه المحاولات لفرض الرقابة بحالة من الرفض والاحتجاج من قطاعات واسعة من مستخدمين الإنترنت، وبين هذه القطاعات ظهرت أحزاب القراصنة التي كانت بدايتها في أوروبا في 1 يناير 2006 بالسويد وكانت البداية بفكرة تأسيس مؤسسة تسمى "مكتب القراصنة" هدفها مناهضة قوانين الملكية الفكرية والرقابة على الإنترنت. ومع حلول العام 2009 وصل عدد المنتسبين لحزب القراصنة السويدي إلى 50 ألفا ليصبح ثالث أكبر حزب من حيث عدد الأعضاء وانتشرت الفكرة بعد نجاح التجربة السويدية حتى الآن في قرابة 40 حزب حول العالم تتمحور أفكارهم حول دعم الحقوق المدنية، الديمقراطية المباشرة، حرية تداول المعلومات ،الشفافية في إدارة الدولة، التعليم المجاني، دعم استخدام وصناعة البرامج المجانية مفتوحة المصدر، البعد عن فكرة الاستقطاب الأيدولوجي بين اليسار واليمين. على الرغم من ضعف إمكانيات أغلب أحزاب القراصنة حول العالم، حيث إن أغلب قيادات و أعضاء هذه الأحزاب من الشباب الذين لا يرتدون الملابس الرسمية ولا يستخدمون السيارات الفخمة ، فإنهم في هذه السنوات القصيرة استطاعوا تحقيق الكثير من المكاسب السياسية، فقد حاز القراصنة في السويد على 7.1 % من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأوربية في العام 2009 لينتزعوا المقعدين الأولين لهم في أول إنجاز أوربي للحركة، حيث إن إميليا أنديرسدوتر -24سنة- النائبة عن حزب القراصنة السويدي، هي العضو الأصغر في البرلمان الأوربي. وزير للشباب والرياضة في تونس "قرصان سابق" على الرغم من صغر وحداثة تجربة حزب القراصنة في تونس فإنه حقق الكثير، فهي التجربة الأولى لحزب قراصنة في أفريقيا والعالم العربي، كما كان له دور مهم أثناء الثورة التونسية في توثيق الأحداث ونشرها، واعتقل عدد من أعضاء الحزب بزعم إنهم أعضاء في حركة "أنونيموس" الدولية التي قامت بعمليات قرصنة ضد مواقع الحكومة الإلكترونية، وكان من أبرز من المعتقلين من الحزب المدون والناشط التونسي سليم عمامو الذي اعتقل في 6 يناير 2011، وأطلق صراحه في 13 يناير، أي قبل هروب بن علي بيوم واحد، ليتم اختياره بعدها وزيرًا للشباب والرياضة في الحكومة الانتقالية التي استقال منها في 25 مايو 2011، بعد أن تم إغلاق أربعة مواقع إلكترونية تنتقد الجيش التونسي بعد حكم من المحكمة العسكرية، وكذلك إغلاق بعض المواقع الإباحية بناءً على حكم محكمة مدنية، لتنتهي أول تجربة في العالم لوزير من أحد أحزاب القراصنة حول العالم بشكل يتسق مع أفكار وبرنامج الحزب الذي يرفض الوصاية على شبكة الإنترنت. "ركن القاهرة للهاكرز" تجربة مصرية لم تصل لمستوى الحزب بعد لم تطرح حتى الآن في مصر أي دعوة لتأسيس حزب للقراصنة أو حزب تكون مرجعيته حرية الإنترنت مثل ما حدث في أوروبا والولايات المتحدةوتونس، على الرغم من الدور المحوري والمؤثر للإنترنت وللنشطاء عليه في الثورة المصرية والانتهاك الصارخ الذي حدث بقطع الإنترنت أثناء الثورة والتهديدات التي تتعرض لها حرية الشبكة بسبب دعوات لفرض الرقابة ووضع قيود على الإنترنت، ربما يكون السبب في ذلك ما اتفق عليه ضمنيًا بين أغلب المدونين المصريين في بدايات الحركة في عام 2004-2005 بعدم تكوين أي مؤسسة تضم المدونين ومن ثم يسهل ضربها واختراقها من قبل أجهزة الأمن، بل ربما تتحول هذه المؤسسة إلى مؤسسة تفرض قيود على المدونين أكثر منها تدافع عنهم، وبالتالي كانت الرؤية ترك مهمة الدفاع عن المدونين لمنظمات المجتمع المدني وأن يعمل نشطاء الإنترنت من خلال التفاعل على الشبكة بشكل غير مؤسسي، وبالفعل أثبتت التجربة نجاحها حقق المدونون الكثير من فضح للانتهاكات والفساد من قبل النظام الحاكم دون وجود أي نقابة أو جمعية أو مؤسسة تجمع المدونين. لكن هل تتغير هذه الفلسفة بعد الثورة حيث أصبحت حرية الإنترنت تحتاج من يحميها في الساحة السياسية وسط أحزاب ترحب بفرض الرقابة والسيطرة على الإنترنت ونواب يطالبون بذلك في البرلمان؟