جلس عم عشرى، ذو ال60 عاما، أمام صندوقه الخشبى بمقهى (المعلم دومة) بحى الأربعين بالسويس، يتحدث فى السياسة بعد أن قهرته الظروف فى مجتمع لا يرحم ووطن مسروق أنتج أناساً على الهامش البعيد جداً، لا أحد يكترث بهم، وكأنهم خارج الزمن! مؤكداً أن هناك أناسا نبلاء، لا يسرقون ولا يقطعون طرقا ولا يحتالون، رغم ظلم الواقع المرير الذى يتبرأ منه العالم بقسوته وأنانيته ودونيته. قال عم عشرى: أنا متفائل وأملى كبير فى مستقبل أفضل، رغم أننى لست موظفا ولن أستفيد من العلاوة أو المظاهرات العمالية، لأن المستقبل سوف يصبح أفضل من الماضى. وتابع الحديث: «أنا زعلان جدا من المسئولين والرجال الكبار فى البلد، إزاى يسرقوا الفلوس دى كلها واحنا مش لاقيين ناكل، طب هيلحقوا يصرفوها كلها، والله احنا لو رمولنا الفتافيت هنبقى راضيين، لكن حتى الفتافيت استخسروها فينا، وبعدها بيتخانقوا على حكم مصر، وده إخوانى وده سلفى، وكلهم بيقولولنا لازم تنتخبونا علشان تبقى إسلامية، بس أنا نفسى ترجع مصرية». وعن أمنياته قال: «أنا أشعر بالأمان، ولا أخشى من غدر الخارجين على القانون، وأحلم أن أترك صندوق مسح الأحذية فى مكانه وأذهب إلى الصلاة ثم أعود لأجده كما هو». وعاد عشرى سنوات إلى الوراء ليتذكر الماضى، يقول إنه أتى من محافظة سوهاج إلى القاهرة مع أبيه بالقطار، وظلا يمسحان الأحذية إلى أن ضاق بهما الرزق، ففكرا أن يأتيا إلى السويس، ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش فيها. ولم يجد عشرى، الذى يعمل منذ أكثر من نصف قرن ماسحاً للأحذية فى السويس، أمامه سوى الشارع وتوسط له عسكرى يعمل فى قسم شرطة الأربعين ليقف أمام القسم. ويؤكد عشرى أنهم كادوا يطردونه من أمام القسم أثناء الزيارات، أو بسبب تغير مزاج رئيس المباحث، أو المأمور، وكان ينظف أحذيتهم دون أجر، خوفا من بطشهم.