كان 30 يونيو 2012، نقطة فاصلة بين ثورة 23 يوليو والثورة الإسلامية فى مصر وليس ثورة يناير.. كان هذا توقعنا وصدق ما توقعناه ولولا الفشل الذريع للإخوان فى الإدارة لتحوّلت مصر بالتدريج إلى مسخ حضارى مقيت.. ولكن كانت رحمة الله سابقة لكل شىء وجاء 30 يونيو 2013 لينقذ مصر من حكم الجاسوس محمد مرسى. ولكن فى الصورة تفاصيل كثيرة.. تحمل إشارات ومعانى لا تفوت على مدقّق ولا تمر إلا من يد غافل.. هذه الإشارات تُحدّد هوية الحكم فى مصر لخمسين عاماً قادمة. أولى هذه الإشارات، وهى كلها مجتمعية تلقى بظلالها على السياسة.. إننا فى مرحلة عشق مجتمعى خاص للقوات المسلحة.. دعنا نقول عنها مجازاً عشق «الكاكى»، ظهرت فى حالة الهيام النسائى العارم ببعض الشخصيات العسكرية المنوط بها التعامل مع الرأى العام، وهذا يرجع إلى ما عانت منه المرأة المصرية على مدار العام الماضى من تهميش وتحقير، فكان التعطش لمعنى الرجولة، الذى وجدوه متجسداً فى الشخصية العسكرية. الإشارة الثانية، وهى حالة العشق المجتمعى للفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة، الذى سيُسجل له أنه صاحب أكبر تعبئة عامة فى التاريخ عندما قامت الملايين بتلبية نداء التفويض الشهير فى السادس والعشرين من يوليو الماضى.. الشارع فى مصر لا يثق إلا فى القوات المسلحة.. هذه هى الحقيقة.. الشارع فى مصر لن يستمع إلا إلى القوات المسلحة.. هذا هو الواقع.. الشارع فى مصر لن يقبل فى الحكم إلا أحد أبناء القوات المسلحة.. وهذا هو المستقبل. وهنا لا أروّج لفكرة، ولكنى أفكر معك بصوت عالٍ عزيزى القارئ.. دعنا نرهق ذهننا بالقليل من الأسئلة.. هل الفريق السيسى سيترشح للرئاسة؟.. الإجابة من منطلق تصريحاته فى هذا الخصوص هى النفى.. ولكن هل تعتقد أن هناك أى رئيس جمهورية مدنى قادر على تحمل الشعبية الجارفة لوزير دفاعه كتلك التى يتمتع بها الفريق السيسى، لا سيما ونحن فى ديمقراطية وليدة؟ أعتقد، بل أجزم أن الإجابة أيضاً بالنفى.. دعنا نفترض أن الرئيس ولو كان مدنياً وبحسن نية من جانبه يرى شخصاً آخر فى موقع وزير دفاع بدلاً من «السيسى»، فهل سيجرؤ على الإطاحة به؟ وهل سيسمح الشارع فى مصر بذلك؟.. المؤكد أيضاً أن الإجابة بالنفى، وأن الشارع لن يقبل المساس بالفريق السيسى. إذن نحن أمام حالة شديدة الخصوصية فى العلاقات المدنية العسكرية.. هذه الحالة تصب فى صالح الشخصية العسكرية التى ستخوض الانتخابات المبكرة، وإذا لم تكن مقنعة للجماهير ستخرج الملايين لكى تطالب الفريق السيسى بخوض الانتخابات. وهل ستكون هذه الانتخابات ديمقراطية؟.. أعتقد أنها ستكون كذلك، بل أعتقد أن الدولة لن تمانع من وجود إشراف دولى يفوق انتخابات 2012، وذلك لأن النتيجة متوقعة من خلال هذه المؤشرات. هل سيعد ذلك انقلاباً عسكرياً؟ المؤكد أيضاً أن الإجابة بالنفى، لأن الذى سيحكم مصر سيكون عبر انتخابات بغض النظر عن خلفيته العسكرية. إذن ما شكل الديمقراطية المتوقعة فى مصر؟ أعتقد أنها وبسبب الحالة التى يعيشها المجتمع المصرى وعدم ثقته فى المعارضة المدنية ستكون ديمقراطية مغلقة بين العسكريين دون ترتيب أو تنسيق بينهم، لكن ولنصف قرن قادم سننتقل بين إدارات عسكرية فى الحكم بناءً على طلب الجماهير. بمعنى أن مصر ستكون شبيهة بالحالة الروسية «بوتين» ثم «ميدفيدف» ثم «بوتين» وهكذا دواليك.. إلى أن تكون فى مصر أحزاب حقيقية قادرة على النفاذ إلى الشارع فى مصر.