منازل متراصة لا تتعدى المسافات بينها بضعة أمتار، وأبواب لا تغلق في وجه سائل أو غريب، أطفال تلهو حتى قبل المغرب بدقائق معدودة، والنيل يحتضنها ويبتسم لها مع أمواجه الهادئة، إنها النوبة التي عُرفت بالترابط والتلاحم بين أهلها في فرح أو ضيق، لا ترى في وجوههم سوى ابتسامة تجعل من وجوههم السمراء لوحات إبداعية. ويأتي رمضان بمذاق خاص في النوبة، حيث يجتمع أهل القرية النوبية الصغيرة قبل أذان المغرب بدقائق قليلة، حول مائدة كبيرة يجلس حولها الرجال وأخرى موازية لها للسيدات، تمتلئ هذه الموائد بأشهر الأكلات النوبية مثل "الأتر" وهو ملوخية مطبوخة بمذاق خاص على الطريقة النوبية، و"الويكة" وهي البامية بعد تجفيفها في الشمس، وخبز "الكابد" من الدقيق والماء. ومع سماع أذان المغرب، يأتي دور المشروبات النوبية كالتمر هندي والكركدية والدوم مع البلح الأسواني، بجانب "الأبرية" أو "الحلو مر" يعتبر هو المشروب الرسمي لبلاد النوبة في رمضان، وهو سوداني الأصل عرف مع توافد النوبيين السودانيين إلى النوبة المصرية. ويعد "الأبرية" من عجينة رقيقة من الدقيق والمياه، تخبز قبل رمضان ويخزن في علب ورقية كبيرة، وقبل الإفطار يحضر قدر من الماء والليمون والسكر ثم تُكسر هذه الرقائق ويخلطوا معا، ويميل البعض أن يضع رقائق "الأبريه " مع مشروب "قمر الدين" أو "الكركديه". وتأتي الحلويات على الطريقة النوبية أيضا مثل "الأرز باللبن" و"الشعرية باللبن" و"الفتي"، وهو الزبادي مع الفطير المخبوز في المنزل والسكر، حيث يتناولها أهالي النوبة في جلسات طويلة للسمر والحديث الثقافي والديني، من بعد صلاة التراويح وحتى السحور، بجانب الحلويات الرمضانية الشرقية مثل "الكنافة" و"القطايف".