بلاد الذهب الأسمر والقلوب البيضاء والرطان والجرجار والعراجي.. بلاد النوبة التي تتميز بطابعها الخاص في كل مناسبة وفي كل حدث وموسم من مواسم المصريين.. ولأن شهر رمضان المعظم أحد أهم وأكثر مواسم المصريين تميزا فكان لابد لنا أن نقوم بتلك الزيارة الي النوبة.. أرض الذهب في شهر الخير. ميزانية 2000 جنيه هي ميزانية العام في بلاد الذهب, نعم.. فقط الفا جنيه هي التي يجنيها الشاب النوبي من عمله في غيط القصب طوال اثني عشر شهرا ينتظر فيها الشهر الكريم, ومع هذه الميزانية تظن أنك لن تجد ما هو مميز أو موسمي في رمضان, ولكن كعادة النوبيين تفاجئك طبيعتهم وطبعهم. البداية مع النهار النوبي والذي يبدأ بالخروج من المنزل علي ظهر العربات الكارو الي الجبال المحيطة بالنوبة التي تحوي غيطان القصب, يخرج الرجال بزيهم النوبي الشهير العراجي وهو جلباب قصير ابيض خفيف يساعدهم علي تحمل وتجنب أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس. البداية يبدأ النهار النوبي مع الخامسة من صباح كل يوم وينتهي بالعودة الي القرية مرة أخري, القرية التي اصطفت بيوتها متتالية لتترك رواقا واحدا يمر من قلب القرية وهو الطريق الرئيسي من ميدان القرية الي جبال الزراعة. ومع عودة النوبيين من جبال القصب يلقي العائدون أمام كل منزل حزمة من القصب كهدية أو تسلية رمضانية يتناولها الجميع بعد الإفطار. الجرجار وبعد أن تغلق أبواب المنازل علي القصب, وبعد عودة الأطفال من المدرسة أو اللعب أو حتي غيطان القصب إن كانوا يعملون.. يبدأ الجرجار في الحركة داخل المنزل لتحضير مائدة الإفطار.. والجرجار هو الزي الرسمي لسيدات النوبة وهو عبارة عن عباءة سوداء مزخرفة بالرسوم النوبية مصنوعة من الشيفون ترتدي تحتها السيدات جلبابا أسود. ولكي يعددن الطعام تبدأ السيدات في خبز ال كابد وهو الخبز النوبي الذي ينافس العيش الشمسي علي المائدة النوبية.. وتعتبر وجبات ال أتر و ال كابد وال مديد هي الأشهر بين الوجبات النوبية وخاصة الرمضانية, وإن كان ال كابد يعرف بإسم الويكة في صعيد مصر إلا أن النوبيات يعددن ويكة مختلفة عن تلك المصنوعة من البامية. المشروب الرسمي أما المشروبات الرمضانية في النوبة فهي أيضا مختلفة.. فلدينا الدوم وهو المشروب الرسمي للنوبة, وأيضا ال أبريه وهو الأشهر والأكثر تمييزا للمائدة النوبية في رمضان وهو رقائق مقرمشة توضع في سائل الليمون والسكر والتمر, ولشهرة وارتباط النوبيين بالأبريه تتناقله المحافظات التي غادر اليها نوبيو القرية في كل رمضان فلا يوجد بيت نوبي في مصر لا يشرب الأبريه في رمضان. ومع أذان المغبر يصل المهرجان النوبي الي ذروته فتخرج القرية عن بكرة أبيها الي المصاطب التي صنعت أمام كل منزل وتوضع الأطعمة ومع التصميم الفريد والمميز لقري النوبة وبيوتها المتقاربة تشعر وكأنها مائدة ضخمة تجمع القرية كلها علي الإفطار الرمضاني. السحور والمسحراتي ولأن النوبة تتميز وتتمايز في كل شيء وفي كل تفصيلة. فنجد حتي السحور النوبي يختلف فتخرج سيدات كل بيت لتنظف المصبطة مرة أخري لتبدأ ونسة السحور والتي تتكون من وليمة قصب السكر التي عاد بها الجميع من الغيطان, ويمر في تلك اللحظات المسحراتي النوبي ليصيح بالرطان النوبي في ابناء القرية كوتوسا ووه فيوسا أي اصح يا نايم.