بجلبابه الفضفاض، مرتديا معطاف أحمر اللون، يوزع النظرات بين الملتفين حوله، وممسكا بيده اليمنى كتاب أصفرت أوراقه، يتصفحه بين الحين والآخر، يعدل من وضع نظارته الكبيرة بيده الأخرى، يجلس على مقعده الوثير المرتفع عن من حوله، يحتسي شرفة من كوب الينسون المعد خصيصا له، الجميع يرمقه بنظرات محدقة، ويبدأ يفضي ما عنده من سير "أبو زيد الهلال والفرسان والأبطال والحروب".. فالالفتاف حول "الحكواتي" في مدنية عمان الأردنية، تقليد قديم اعتاد عليه عبدالكريم رشيد وأشقاؤه منذ الصغر، يدخلون إلى المقاهي، بعد صلاة التراويح في رمضان ليتابعون ما يتلوه عليهم من القصص والسير. بملامحه الشامية، ورأس استوطنت فيها الشيبة، يعيش عبدالكريم رشيد، رجل في العقد السادس من العمر، في مصر منذ 15 عاما، هو وأبناؤه بالعجوزة، أحد أرقى الأحياء المصرية، يعمل في فن صناعة الديكور، لم يتغافل بغتة عن عادته وتقاليدة الأردنية، وبخاصة في شهر رمضان، الذي يجد فيه طريقا لتذكر الأردن ولياليها، ويؤكد أن "أوجه الشبه بين المجتمع المصري وبين بلاد الشام كثيرة، ولا يجعلنا نشعر بالاغتراب أبدا"، وفقا لقوله. تلتف الأسرة بأكملها في منزل العائلة، يتحدث عبدالكريم في سرور عن تاريخ عائلته العريق، تستمر الليالي، الاحتفالات، تزين المائدة بأشهى الأطعمة، ويجتمع الجميع في احتفالات عائلية، بقدوم شهر رمضان، تبدأ من قبل حلوله، حيث الخامس عشر من شعبان، فيما يعرف ب"شعبانيات رمضان"، ويقول رشيد ل"الوطن": "احتفالنا برمضان يبدأ قبل مجيئه لما له من خصوصية شديدة في الأردن، فالشعبانيات تقام في بيوت العائلات الكبيرة من قبل رمضان بخمس عشر يوما". وإلى جانب والدها تجلس "منى" صاحب الأربعة والثلاثين ربيعا، تقول: "المائدة الأردنية خليط ما بين المائدة الشامية والمائدة الخليجية وتأخذ أيضا من المصرية"، وتشير إلى "المنسف" كأحد الأطباق الرئيسية على المائدة الرمضانية، ويعد من الزبادي والتي تصنع في شكل دائري متماسك، وتحشى باللحم الضاني، وتوضع على الأرز، لافتة إلى أهم الأطباق الرئيسية أيضا "البخاري" وهو أرز يطهى على البخار، ويكون مليء بالبهرات والمكسرات والتوابع. منى، بخبراتها في المطبخ التي تتجاوز والدتها، أكدت أن الطبق الرئيسي دائما هو "الفتوش"، وأحد المقبلات الشامية التي تنتشر في العديد من الدول العربية، وإلى جوارها والدتها، مدام فاطمة عساف، تشير إلى اهتمام المائدة الأردنية بالحلوة، وعلى رأسها "الكنافة النابلسية"، والقطايف المصرية، علاوة على ضرورة أن تحتوي المائدة على القهوة الخليجية. مازالت فاطمة عساف، تحتفظ بقدر من نضارتها، رغم ما فات من العمر، وبلهجتها الشامية، تقول: إن رمضان للمرأة الأردنية فرصة كبيرة للتجمعات النسائية، والخروج، ويوم النساء هناك يبدأ من الصباح باكر، لتعد مائدة الإفطار، مشيرة إلى السهرات الرمضانية التي تبدأ بعد صلاة التروايح حيث يلتف الرجال حول الحكاوتي، وتنشغل النساء بالتسامر في منازل العائلات أو في الليالي الرمضانية في وسط العاصمة عمان، لتطرب مسامعهم بأغاني الفلكلور الشامي، التي تنتشر في الليالي الرمضانية بشكل كبير. عمر، الشاب العشريني، والابن الأصغر للعائلة، دائما ما كان يحاول لم شمل الجالية الأردنية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويستغل رمضان لتنظيم عدد من الفعاليات لأبناء الجالية في القاهرة، محاولا الحفاظ على بعض تقاليد الشباب الأردني. ويقول عمر: "الطبال" الاسم المعروف للمسحراتي بالأردن، وكان دائما ما يختار من شباب الحارة، أحدهم ليقون بوظيفة الطبال، ليوقظوا الناس قبل السحور، حيث يلتف حوله الأطفال بالمشاعل والمصابيح، ويخطو يردد أناشيد من التراث الفلكلوري الشامي. وتعود منى لتروي أن السحور في الأردن يعتمد على صحن الحمص "الفلسطيني" إلى جانب الفول المصري، واللبنة الشامية، والفتوش، والزبادي، مؤكدة أن مائدة السحور في الأردن دائما ما تفضل أن تكون بسيطة.