تعيش سيناء وضعاً بالغ التعقيد، ستكون له آثار بعيدة المدى على مستقبل مصر، تعود الجذور الأولى لهذا الوضع إلى اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المنفرد بين الحكومة المصرية وإسرائيل، وما تضمنه من نصوص تقيد الوجود العسكرى المصرى فى سيناء، وتتحكم فى انتشار القوات المسلحة المصرية فى مختلف أنحاء سيناء. ومن أخطر ما نصت عليه الاتفاقيات منع وجود الجيش المصرى فى ثلث سيناء تقريباً المجاور لإسرائيل، حيث يسمح فقط بوجود جنود تابعين للأمن المركزى يقتصر تسليحهم على البنادق فقط. وقد نتج عن هذه الاتفاقيات وما تضمنته من تقييد الوجود العسكرى المصرى على حدود إسرائيل فراغ أمنى أدى إلى تمركز جماعات مسلحة فى سيناء تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى الجهادى، وهى جماعات إرهابية تكفيرية، كانت تقتصر فى البداية على عناصر مصرية كانت بمثابة النواة لعناصر أجنبية تنتمى إلى تنظيم القاعدة، تضم مقاتلين من جنسيات مختلفة عربية وأفغانية وباكستانية، وبمرور السنوات نجحت هذه الجماعات فى تجنيد عناصر من أبناء سيناء الذين اتخذوا من قبائلهم ظهيراً لهم يقبل بوجودهم ويوفر لهم الحماية، ويضغط على السلطات المصرية لعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتصفيتهم، وفى ظل هذا الوضع اكتسب وجود هذه الجماعات نوعاً من الشرعية الواقعية، فقد تعايش أهل سيناء مع هذه الظاهرة، خاصة أنهم يفتقرون لوجود عسكرى مصرى فاعل. وقد ساعد على تفاقم هذا الوضع أن السلطات المصرية عهدت إلى أجهزة الأمن بالتعامل مع هذه الظاهرة، وكان لمباحث أمن الدولة اليد العليا فى هذا التعامل، ولم يكن لديها من الحكمة والرشاد ما يدفعها إلى وضع خصوصية أهل سيناء فى الاعتبار والطابع القبلى الذى يحكم العلاقات فى هذه المنطقة، وما يترتب عليه من الالتزام بحماية الأبناء، ومن الشعور بالغضب وعدم الرضا عن استخدام أساليب عنيفة مع أهالى المشتبه بهم وصل إلى حد اعتقال أقاربهم وإهانة نسائهم للضغط عليهم من أجل تسليم أنفسهم، وقد ضاعف من استياء أهل سيناء إهمال الحكومة المركزية تنمية المنطقة وتحسين أحوال سكانها، وتزويدها بالمرافق والخدمات الضرورية، وتعيين كبار المسئولين فى محافظتى شمال وجنوب سيناء من رجال الشرطة أو القوات المسلحة غير المؤهلين لإدارتها بكفاءة ومراعاة اللياقة فى التعامل مع المواطنين. وهكذا تفاعل الفراغ الأمنى مع غياب الإدارة الرشيدة وتخلف النشاط التنموى عن تلبية احتياجات المنطقة فخلق هذا الوضع المعقد الذى يشمل جماعات إرهابية يتسع نشاطها تدريجياً وبيئة مجتمعية غاضبة من السلطة ومتعاطفة مع هذه الجماعات.. ومع بداية حكم «الإخوان المسلمين» فى مصر وقعت عمليات عديدة مثل خطف ضباط الشرطة الثلاثة وقتل 16 جندياً من القوات المسلحة فى رمضان وتهجير الأقباط من منازلهم وخطف الجنود السبعة، وقصف الكمائن الشرطية والمنشآت العسكرية، والإعلان صراحة أن هدف هذه الجماعات هو إعلان سيناء إمارة إسلامية مستقلة عن مصر، وبعد 30 يونيو وإنهاء حكم الإخوان تم تفجير خط الغاز من جديد، وزادت العمليات الإرهابية ضد الشرطة والقوات المسلحة، ولا نستطيع أن نغفل دور الأنفاق بين سيناءوغزة فى تزويد هؤلاء الإرهابيين بالسلاح وتدريب عناصرهم فى غزة والتنسيق بينهم وقيادة حركة حماس لتهديد الأمن القومى المصرى والضغط على السلطات المصرية. وهكذا يهدد الوضع فى سيناء مستقبل مصر مما يدعو إلى التعجيل بالتعامل الفعال معه من خلال إغلاق الأنفاق تماماً وتصفية هذه الجماعات الإرهابية وتكليف عناصر مؤهلة للإدارة المحلية بكفاءة والتشاور مع الأهالى حول أفضل السبل لتطوير سيناء وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ مشروعات تنموية يشعر معها أبناء سيناء أنهم جزء من الشعب المصرى.