توقفنا فى المقال السابق عن سؤال عما هى صفة صفوت حجازى؟ المؤكد أنه مدّاح سلاطين. فالثابت أن المدعو صفوت حجازى كان دائماً مداح طغاة عندما يُرتجى منهم الخير العميم. لقد سمى الطاغية المخلوع مبارك «حبيب الله». لكنه، ورفاق له من الطينة نفسها، اختص القذافى وأولاده بالثناء. فقد زار هؤلاء الدعاة الذين ركبوا الثورة المصرية ويدّعون الآن أنهم من قادوها، محمد حسان وعمر عبدالكافى رئيس تجمع أهل السنة الوهمى، وصفوت حجازى عضو المجمع العالمى لبحوث القرآن والسنة الوهمى كذلك، زاروا ليبيا والتقوا القذافى فى عز تسلطه ولقّبوه بفاتح الإسلام، وأنه إمام المسلمين، بل إنهم دعوا له فى خيمته بأن ينصر الإسلام به. وكانت زيارة مشايخ القذافى، محمد حسان وصفوت حجازى وعمر عبدالكافى إلى ليبيا عام 2008 لحضور حفل جمعية «واعتصموا» التى كانت تملكها عائشة ابنة معمر القذافى. وفى العصر الحالى قام «صفوت» بتقبيل يد «مرسى» علناً بعد تنصيبه رئيساً لمصر. وبعد مؤتمر الصالة المغطاة صرح بأن «من يرش الرئيس مرسى بالمياه أرشه بالدم، لأنه رئيس شرعى منتخب، ويخبطوا دماغهم فى الحائط». وبئست إخلاق «العلماء»! كما أنه يدعو لتشكيل «حرس وطنى» لحماية حكم «مرسى»، طبعاً من الميليشيات الدينية المسلحة لتيار اليمين المتأسلم، القائمة الآن وتلك التى ستعود من سوريا، ويُطلق على جبهة الإنقاذ المعارضة لحكمهم العنين اسم جبهة «الخراب». أين كل هذا من قول خاتم المرسلين: «المؤمن الحق من سلم الناس من لسانه ويده»، إنه لا ريب، بعيد كل البعد. وفى المؤتمر نفسه وصم أحد أكبر «شيوخ» التنفير والبغض، وليس لهم من جلال الشيوخ الحق وخلاقهم وهيبتهم ولو نذر يسير، المسمى محمد عبدالمقصود، الذى يقدمونه على أنه نائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح الوهمية، الذى تشير سيرته إلى أنه لاذ بساحة علوم الشريعة المستباحة من باب الفشل فى دراسة الكيمياء الحيوية، وصم المعترضين على حكم اليمين المتأسلم بالكافرين وأطلق عليهم أدعية الخسران والتدمير التى يخص بها المسلمون العقلاء شر الأعداء، ولكنهم يطلقونها الآن على الإخوة فى الوطن والدين. أهؤلاء هم من سيطبقون شرع الله فى مصر؟ وما بال هؤلاء يردّدون آيات التنزيل الحكيم ثم يتبعونها برسائل الكراهية والبغضاء؟ مثلهم يحق عليهم قول العزيز الحكيم: «خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (البقرة: 7). إلا أن المفاجأة الكبرى كانت أن أعلن الرئيس، متلبساً مسوح الزعماء التاريخيين، فى المؤتمرين الهتّيفة بأن مصر شعباً وجيشاً، ستساند الثورة السورية، وتقدّم بطلب إلى مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوى فوق البلد متصوراً على الأغلب مضللاً أو مخدوعاً، أن «أوباما» سيعلنها. ولكن «أوباما» أحرجهم بأن أعلن استحالة فرض منطقة الحظر الجوى، وأكد الرئيس الروسى بوتين أنه لن يسمح بإقامة منطقة حظر جوى. فهل سيُكلف الرئيس سلاح الطيران المصرى بفرضها، على الرغم من إعلان متحدث عسكرى أن الجيش لا يتدخل خارج حدود مصر؟ لا بالطبع، فالكلام يلقى على عواهنه كمؤثرات صوتية مسرحية ثم يُنسى. وهل سنرى الشيوخ الزاعقين بالجهاد وقياديى اليمين المتأسلم المتنطعين بدعوة الجهاد، أو أبنائهم، يتصدّرون زحف كتائب الجهاد المقدس الذى سيلقون فى جحيمه بأبناء المستضعفين فى الأرض من المصريين الذين يعانون عذابات حكمهم المستبد والمفقر؟ بالطبع لا. ومع ذلك، فقد أصبح لزاماً على محمد مرسى إن شاء الوفاء بوعده ووعيده أيضاً أن يجد جيشاً آخر يُرسله للجهاد فى سوريا، وليس أقرب له من جيوش العاطلين المصريين الذين كرهوا حياتهم ويئسوا من صلاح مستقبلهم تحت حكم الإخوان المخادعين الفاشى والفاشل، كى يرسل إلى جحيم الحرب فى سوريا، بينما تبقى قيادات اليمين المتأسلم، وأولادهم مرفهين ومتنعمين على حساب الشعب المسكين، الذى سيواجه أبناؤه من الغلابة محارق فظيعة خصوصاً بعد اتفاق الدول المشاركة فى قمة الثمانى الكبار الأخيرة على محاربة الجماعات الإسلامية المتشدّدة التى تعتنق أيديولوجية «القاعدة» أو الإسلام الجهادى وسحقها. فقد تعلموا درس نشأة تنظيم القاعدة من غمار الجهاد المتأسلم فى أفغانستان، ولكن اليمين المتأسلم يظل سادراً فى غيه وضلاله. (3) العمى التاريخى لليمين المتأسلم فى المنظور التاريخى، أضاف اليمين المتأسلم لسجل عاره فى حكم مصر بذر بذور الفرقة بين شعبى مصر وسوريا، وقد كان من أهم أهداف جميع القوى الاستعمارية فى المنطقة العربية منذ حطموا الأسطول المصرى لمنع الاتصال الجغرافى بين مصر وسوريا فى 1840. وفى ظل حكم محمد مرسى العياط سيُسجل عارٌ أن رفع مصرى السلاح فى وجه سورى لأول مرة فى تاريخ المنطقة الحديث. وحيث يصر أن يتطاول محاولاً عبثاً بلوغ قامة الزعيم التاريخى العملاق جمال عبدالناصر، الذى رفعت الجماهير السورية سيارته على أعناقها، نذكره أن «عبدالناصر» رفض أن يُشهر السلاح المصرى فى وجه سورى حتى بعد مؤامرة انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة بانقلاب عسكرى. وشتان بين العمالقة الأحرار والأقزام التابعين. لكن لماذا يتجاهلون خبرتهم الأهم فى الجهاد الفاشل، فى معية الإدارة الأمريكية فى أفغانستان؟ ويريدون إعادتها فى سوريا؟ فقد دُمرت أفغانستان وحطّم شعبها وصارا لقمة سائغة لنظام حكم عميل للأمريكان. وفى سوريا قد تكون النتائج أوخم، فتتمزق إثنيّاً وطائفياً ولا تقف العاقبة الوخيمة عند حدودها الطبيعية، بل تمتد إلى باقى المشرق العربى. ولماذا لا يبدأون الجهاد لتحرير القدس التى يتوقف الجهاد من أجلها عند الحناجر النشاز التى تعلو الذقون الكثة الشعثاء والزاعقة بالأدعية وبالابتهالات والدعوات الزائفة؟ إن السبب باختصار هو أن إسرائيل لديهم فى حرز مكين، وولية النعم أمريكا وربيبتها فى المنطقة إسرائيل، لا تمس وتصان من أى عدوان ولو لفظياً. ويدلل على هذا قطع العلاقات مع سوريا الشقيقة مع إبقائها مستمرة مع إسرائيل. وأخيراً، لماذا لا نسمع من هؤلاء «العلماء» و«الشيوخ» كلمة حق ضد سلطان جائر، وهى كما علّمنا خاتم المرسلين «أفضل الجهاد»، بل يتقربون لهم ويتزلفون، بينما يدعون إلى الجهاد فى سوريا نزولاً على رغبة الخلافة القَطرية السائرة فى فلك المشروع الصهيونى الأمريكى فى المنطقة العربية. وسيرون أى منقلب ينقلبون!