يوم 4 فبراير 2011، كتبتُ مقالاً بجريدة «اليوم السابع»، عنوانه: «أشرف ثورة فى تاريخ مصر»، بدأته بالمقطع التالى: «هل كان الرئيس مبارك يتصوّر أن الأطفال الذين ولدوا فى عهده، وكبروا ليصبحوا شبابَ مصرَ الراهنَ، سيهدرون كالطوفان فى مظاهرات تطالب برحيله؟ هل تهيأ ليوم كهذا؟ وهل درّب نفسَه، كرجل دولة، على الإنصات لنداء هذا الجيل واستيعاب لغته؟ أسئلة تُلح على رأسى منذ ظهيرة الثلاثاء 25 يناير، عيد الشرطة الذى أصبح من الآن «يوم الغضب»، وحتى فجر الأحد 2 فبراير، لحظة كتابة هذا المقال، وإجابة الأسئلة السابقة: «لا». صمتُه أربعة أيام قبل إصداره بياناً مقتضباً، يؤكد هذه ال«لا»؛ لأن هذا التلكؤ جعل الثوار يرفعون سقف مطالبهم من «الإصلاح»، إلى «الإطاحة»، ثم «المحاكمة الثورية». فإن نعت ثورة يناير ب«أشرف ثورة فى تاريخ مصر»، فماذا عساى أنعتُ ثورة 30 يونيو 2013؟! هنا يتبدى عجزُ اللغة عن البيان، لأن وصف الجمال المطلق، والمطلق لله وحده، يُشعر الشعراءَ بفقر الكلمات وعجزها عن التعبير، هنا تتدخل الفنون الأخرى، مثل الرسم والموسيقى، لتأخذ دورها فى محاولة وصف هذه الثورة الشعبية الهائلة التى شهد لها المحللون بأن مثلها لم تلدِ الشعوبُ، ومثلها لم يكتب التاريخ. وإن كنتُ قد وصفتُ تباطؤ مبارك عن الاستجابة لصوت الشعب بمفردة: «التلكؤ»، فبمَ عساى أصف السيد مرسى بانفصاله التام عن الواقع، وعدم اعتذاره عن البلادة الشعورية التى جعلته يصف تلك الملايين العشرين التى هدرت ضده، بكلمات ركيكة مبتذلة مثل: «6-7-3-4-5 واقفين فى حارة مزنوقة بيعملوا حاجات مش كويسة»! كم نحتاج من وقت لكى نتخلص من هذا المعجم المنحطّ الذى لوّث به الإخوان حياتنا؟! طيب، كان لمبارك رصيدٌ ما لدى شعبه صنعه تاريخه العسكرى فى حرب أكتوبر، وصنعته العشرون عاماً الأولى من حكمه، أصلح خلالها البنية التحتية المصرية من اتصالات ومواصلات ومدن جديدة وشبكات طرق وكبارى الخ، تلاها عشرُ سنوات أفسد خلالها ما صنعه فى العشرين عاماً الأوَل، هذا الرصيد والعِشرة الطويلة، جعلته يأمل فى أن يُمهله الشعبُ بعضَ الوقت، شهوراً قليلة، حتى انتهاء مدة ولايته فى سبتمبر 2011، ولكن على أى شىء يرتكن الأخ مرسى لكى يأمل فى مهلة قوامها 3 سنوات طوااال؟! ليس بينه وبيننا لا عِشرة ولا إنجازات ولا تاريخ، عسكرياً كان أو اجتماعياً أو فكرياً، يحميه من غضب الشعب منه وازدرائه له، وإن شئنا الدقة، فإن تاريخه وتاريخ جماعته لا يحمل غير الدماء والسواد والتآمرات السرية والأنانية المفرطة والاستعلاء والغباء السياسى والانحطاط اللغوى: «طظ فى مصر، شعب مصر أهبل» من أقوال المرشدين السابقين، و«أصابع بتلعب - قرد وقرداتى - حارة مزنوقة - ياخد عشرين جنيه وينزل السكينة.. .. »، وغيرها من عبارات متدنية يحفل بها قاموس مرسى، جعل كل مصرى يخجل أمام العالم أن مثل هذا الشخص رئيسٌ لبلاده العريقة التى علّمت العالم الحضارة. يثبت الشعبُ المصرى جيلاً بعد جيل أنه قد يتسامح ويغفر، لكنه، إن مُسّت كرامته، يغضب غضبةً لا رادَّ لها. أشكرك يا مصرَ العظيمة لأنكِ لم تنجبى إلا شرفاءَ يقدرون اسمك، أما أولئك الخونة، فليسوا من رَحِم ترابك الطاهر الذى وطئه الرسلُ الأطهار، بل دخلاء سرعان ما تلفظهم أرضُك ويرفضهم شعبك. الإخوان «خطأ مطبعى» فى مدونة مصر الناصعة، وها هو الشعب المثقف الواعى، يصحح هذا الخطأ العابر الذى سوف ينساه التاريخ العريق، أهلاً بشهر رمضان، بلا إخوان. أشرف ثورة فى تاريخ مصر الجمعة، 4 فبراير 2011