كنا نتحدث بعد الثورة عن الكُتّاب والأدباء والموظفين والإعلاميين والأشخاص الذين تلونوا بلون الثورة رغم أنهم كانوا قبل الثورة بدقائق على لونهم الأسود الذى يدافع عن الديكتاتورية باسم الاستقرار ويدافع عن الفساد تحت شعار «كل الدنيا على كده» ويدافع عن قرارات الرئيس السابق تحت شعار «منع الفوضى»، ولم تمر أيام إلا وتلون الكثيرون كما يتلون بيض «شم النسيم».. وقد سألت عم شحاته الميكانيكى عن سر العادة المصرية بتلوين البيض فى «شم النسيم» فأخبرنى بفلسفته الطاغية وابتسامته الشافية بأن هذا التلوين يرمز إلى طبيعة المناخ فى هذا الوقت من الشهر القبطى (برمودة) الذى يحتفل فيه الناس بعيد الربيع والذى يوافق عادة «شهر أبريل» وهو شهر تتلون فيه الأمزجة بتلون المناخ بين يوم بارد أو يوم حار أو يوم يكون حافلاً بالأعاصير فيرمز لليوم البارد بالأبيض وإلى اليوم الحار بالأحمر وإلى الأعاصير باللون الرمادى. ولأن عم شحاته الميكانيكى لا يفوت الفرصة فقد أفادنى بمعلومة ميكانيكية مهمة بعد أن أغلق جبينه إغلاقاً يشبه إغلاق ورشته يوم الأحد ثم نظر إلى السماء فى حالة استلهام مثل «فيلسوف الإذاعة» ثم أخبرنى بصوت خفيض بأن «الناس يتلونون كما يتلون بيض شم النسيم».. وأنا إن كنت عاصرت فى حياتى كثيراًَ من المتلونين فإننى فجأة رأيت السماء وكأنها تمطر أشخاصا ملونة ولم يصبح أمام الذين يصرون على ارتداء ملابسهم البيضاء إلا أن يهربوا من تلك الألوان التى تنزل عليهم من كل جانب. فهذا البرلمانى الذى كان ينتقد ليل نهار جماعة الإخوان المسلمين تغير لونه وأصبح «بنبى اللون»مشرق الأسارير يبتسم للغد المشرق على يد الرئيس الجديد الذى أصبح يراه فجأة طيبا وذكيا ونسى ما قاله فى ذات البرنامج قبل أسبوعين عن نفس الشخص قبل أن يصبح رئيسا. أما هذا الإعلامى فقد كان يرى ويرى ويرى ثم فجأة أصبح لا يرى ولا يرى ولا يرى «وآهى أرزاق». والمتلونون دائما هم أخطر الناس على الحكام، فقد غنى كثير من الناس للرئيس «محمد نجيب» حتى إذا ما تم نفيه وحبسه غنى كثير من الناس ل«عبدالناصر»: «يا جمال ياحبيب الملايين»... حتى إذا ما مات بعد أن تركنا فى ظل الهزيمة غنى كثير من الناس للسادات «عاش اللى قال الكلمة بحكمة فى الوقت المناسب»، حتى إذا ما قتل السادات غنى كثير من الناس ل«مبارك»: «أول ضربة جوية.. فتحت باب الحرية»... وهكذا يقتل المتلونون الرؤساء، ونتمنى ألا يأتى الدور على مرسى فهو رجل ذو إمكانيات عادية جداً ونفسية عادية جداً ولن يسير على قدمه إلا بمعاونة الآخرين الذين يخلصون له فى النقد ويصححون له الأخطاء. «المتلونون يمتنعون» ذلك أنى فهمت سر نصيحة نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) للناس جميعاً فى أن يلقوا التراب فى عيون المادحين؛ ذلك أن المادح يحاول أن يعمى بصر الممدوح عن الحقيقة والواقع فيكون والحال كذلك الجزاء من جنس العمل والمتلونون يتنكرون لضحاياهم عقب سقوطهم فكان من مدح الرئيس عبدالناصر هو أول من ذمه ووصفه بالديكتاتور وكان من عاش عمره كطفل مدلل للرئيس السادات بل إنه أيضاً كان يكتب له خطاباته ويضع له خططه هو الذى كتب كتاباً عن السادات لا ينطبق وصفه إلا على الشياطين.. أما المذيع الذى بكى من فرط حبه للرئيس مبارك والمذيعة التى فقدت وعيها إشفاقاً عليه فيجلس كل منهما الآن وهو يرفع علم مصر ويغنى أغانى الثورة.. وهكذا أيها السادة بدأت ألوان شم النسيم وبهذه المناسبة يروى أن أحد الكتاب قد تغيرت لهجته الرقيقة التى كانت تصاحبه وهو يتحدث عن رئيس الوزراء ثم أخذ يسبه ويلعنه فلما سأله زملاؤه عن سبب تغيره فقال لهم وهو يفتخر: «أنا لم أتغير.. الوزارة هى التى تغيرت».